ساعتين من بعده مخترقين سلسلة من الجبال صخورها من الحجر الأخضر. وبعد ست ساعات وصلنا وادى الطواشى ، وهو منسوب لأحد هؤلاء الخصيان من سدنة الكعبة الشريفة ، وقد قتل هنا وسرقت منه العطايا التى منحها إياه ملوك دارفور وسنار (١). ولم أستطع أن أعلم على التحقيق فى أية سنة لقى هذا الرجل حتفه ، ولكن أحد الخبراء ذكر لى أن أباه يذكر هذه السنة جيدا. لذلك لست أشك فى أن هذا الخصى هو الذى ورد ذكره فى رحلة بروس تحت اسم محمد طواش ، وهو الذى وجد هذا الرحالة جثته فى هذه البقعة ذاتها بعد أن أسر بدويا من البشاريين القتلة بثلاثة أيام .. وقارىء القصة قد يلحظ التلفيق فى تفاصيلها ، ولكنها صحيحة فى جوهرها. على أن قتلة الرجل لم يكونوا من البشاريين ، بل كانوا الخبراء الذين رافقوه ، وهم جماعة من العبابدة ينتمون لعشيرة حميداب ، وهى إحدى عشائر عشاباب ، ومقرهم بحيرة القريبة من أدفو على الضفة الشرقية للنيل. وقد لامهم أصحابهم أشد اللوم على ما اقترفت أيديهم ، ومنذ ذلك العهد سقطت عشيرة حميداب من عيون الناس وذهبت ريحها. وقبر الطواشى يقوم على سفح الجبل فى البقعة التى سقط فيها صريعا ، وله عندهم مقام أضرحة الأولياء والشهداء. والضريح مبنى بالحجر بيد قبيلة أخرى من العرب. وقد وجدناه مغطى بقليل من الحصر ، وقصدته الجماعة كلها وصلى كثير منهم ركعتين إلى جواره. وفيما هم يرحلون عنه نثروا عليه قربانا من الذرة وغيرها ، وملأوا جرة ماء كان قد تركها عند القبر مسافر قبلنا ، وقامت إلى جوار الضريح عيدان علقت عليها خرق ملونة جريا على عادة العرب ، ورأيت على الأرض رحالا للجمال كان قد وهبها بعض المسافرين إكراما للولى. وأنفقنا ساعات الظهيرة فى الوادى الفسيح إلى جوار الضريح الذى سمى الوادى باسم صاحبه ، ثم استأنفنا السير فوق أرض وعرة من الحجارة والرمال. وكان اتجاهنا طوال اليوم إلى الجنوب بانحراف قليل للشرق. وحططنا
__________________
(*) كان خصيان مكة والمدينة إلى عهد قريب يخرجون إلى السودان فى رحلات لاستجداء المحسنين. من ذلك أن أحدهم خرج إليه فى رحلة عام ١٨١١ فلقى من الإجلال والاحترام ـ بسبب صلته بالأراضى المقدسة ـ ما أتاح له جمع الأتباع وتأليف طائفة قوية استطاع بفضلها الاستيلاء على إقليم يحكمه اليوم بوصفه ملكا عليه.