وهى مهمة لم أفلح فى إقناع أحد الرفاق ـ حتى أفقر الخدم ـ فى أن يتولاها عنى ولو لقاء إشراكه فى طعامى البسيط ، فإذا أتى المساء رأيتنى مضطرا لإعادة الكرة وأداء هذه المهمة الشاقة من جديد وأنا مضنى بعد رحلة اليوم ، وهى رحلة كنت أسير فيها على قدمى أربع ساعات أو خمسا لأخفف العبء عن حمارى ، وما كان أحوجنى بعدها للراحة والاستجمام. ولكن الجوع كان أشدّ من التعب وأقوى ، لذلك لم يكن لى مندوحة عن البحث عن الخشب وقطعه ، وإيقاد النار ، وطهو طعامى ، وإطعام حمارى ثم تجهيز قهوتى التى لم يكن لى من سبيل لاسترضاء رفاقى الدراويين إلا تقديم فنجان منها لهم وهم أشوق الناس إلى ارتشافه. على أن راحة الليل كانت كفيلة بردّ قواى ، ولم أعرف من قبل رحلة كهذه كنت فيها موفور العافية جم النشاط على ما تكبدت فيها من مشقات فاقت ما كنت أنتظر. وكان غذاء المسافرين جميعا الفطيرة ، وهى دقيق يمزج بالماء ويعجن ثم يخبز على الصاج ، ويصب عليه السمن أو الشهد أو المرق المطبوخ من السمن والبامية المجففة. أما العشاء فعدس مطبوخ أو خبز بملح يخبز على الصاج أو الرماد ، ثم مرق من البامية أو البصل يصب على العدس أو الخبز بعد تفتيته. وفى الصباح الباكر يفطر الكل على كعكة ببصلة نيئة أو ببعض التمر. وفى العصر عبرنا أرضا جبلية ثم سهلا رمليا ينتهى بواد انتشرت فيه أشجار الدوم فأشاع منظرها البهجة فى أفئدة المسافرين. ونزلنا بالوادى بعد مسيرة تسع ساعات ، وحططنا قرب آبار نابه ، وفيما كنا نعبر السهل التقينا بقافلة صغيرة قوامها ثمانية من العبابدة كانوا عائدين من بربر إلى دراو ، وكان معهم زهاء ثلاثين عبدا وعدد من الجمال المحملة ، وهم ينوون بيع بضاعتهم فى صعيد مصر. وحمل إلينا هؤلاء العبابدة أنباء لا تسر ، فقد ذكروا أنهم لم يجدوا ماء يذكر فى بئرين على طريقنا ، فأما بئر شقرة ـ إحدى البئرين ـ فقد نجد فيها بعض الماء ، وأما بئر النجيم البعيدة فالأمل فى مائها ضعيف. وقد روعت هذه الأبناء بعض القوم ففكروا فى العودة مع قافلة العبابدة ، ولكن الباقين ثنوهم عن هذا العزم. واشترى الدراويون بعيرا قويا من القافلة الأخرى ليحمّلوه ماء ، وأنفقنا الليل كله نتشاور فيما ينبغى أن نعمل. وبوادى نابه آبار خمس أو ست قريبة من بعضها البعض ، والماء