فى ثلاث منها ضارب إلى الملوحة ، وماء بئرين منها لا بأس به ولكنه شحيح ، وقد استنفدناه حين ملأنا القرب. وفى الصباح اشتجر القوم حول الماء الذى فاض من البئرين فى أثناء الليل ، فكانت كل جماعة تريده لنفسها.
١٤ مارس ـ إن الظل الوارف الذى تبسطه أشجار الدوم على وادى نابه ، وما بالوادى من آبار فياضة الماء ، قد جعلاه أهم موقع على الطريق بعد حيمور وشقرة. وقد درجت القوافل الصغيرة على أن تنزل بهذا الوادى أياما وهى فى طريقها إلى بربر لتسترد الإبل قوتها ، وهم يزعمون أن مياه الوادى تنعش الإبل وتشددها ، وهى من غير شك ذات خواص مسهلة. أما القوافل الكبيرة فيستحيل عليها المكث بالوادى أكثر من ليلة واحدة لقلة مائه المستساغ. وظل شيوخنا طوال الصباح يتشاورون ، فقد كان أمامنا مسيرة يومين إلى شقرة ، ومنها رحلة خمسة أيام لبربر على النيل. وكان تحميل الجمال بمئونة من الماء تكفى الرحلة كلها أمرا مستحيلا ، ولم يكن يرجى العثور على ماء جنوب شقرة ، وما نرجوه فى شقرة نفسها ضئيل قليل. وهناك مورد آخر للماء يدعى نواريك ينبع فى الجبال صوب الجنوب الشرقى على مسيرة أربعة أيام ونصف من نابه ومثلها من بربر ، وكان الأصوب أن نتخذ هذا الطريق لو لا جهل القوم به ، اللهم إلا بشاريا كرهوا أن يركنوا إليه فى إرشادهم. وذكروا لى أن هناك طريقا ثالثا يخرج من نابه متجها للجنوب الغربى بانحراف للجنوب وينتهى إلى النيل بعد رحلة حثيثة تستغرق ثلاثة أيام ونصفا ، ولكن هذا الجزء من النيل يسكنه عرب مقرات ، وهم خصوم لقومنا ، وقد قتل زعيمهم نعيم مؤخرا بيد أحد شيوخ العبابدة. وقد درج المسافرون فى ظرف كهذا على أن يدلى كل منهم برأيه. وكان رأيى أن نقتل حميرنا الخمسة والثلاثين التى كانت تستنفذ من مائنا كل يوم خمس عشرة قربة على الأقل ، وأن نحمل الإبل أقصى ما تطيق من الماء ، ثم نشق لنا طريقا مستقيمة إلى بربر دون أن نميل على شقرة ، وقد نستطيع بهذه الوسيلة أن نتم رحلتنا فى خمس مراحل طوال. ولكنك لن تستطيع أن تحمل العرب فى مناسبات كهذه على اتخاذ قرار جرىء حاسم ، فهم لا يفتأون يعللون النفس بعبارتهم المألوفة «الله كريم». وعلى ذلك فقد قرر القوم أن