يسلكوا الطريق العادى ، وأصلح كل منا قربه وخفّيه ، واغتسلنا بماء الآبار البارد فانتعشنا ، ثم استأنفنا الرحلة من جديد والهواجس تعبث برأسى ، فلم تكن دوابنا تحمل من الماء أكثر من مئونة ثلاثة أيام أو أربعة ، ولا سبيل بعدها للهروب من العواقب الوخيمة التى يجرها الظمأ. ورفعت عن حمارى القربتين الصغيرتين تخفيفا عنه ، ونقدت أحد العبابدة أربعة ريالات ليحمل لى أربع قرب صغيرة إلى بربر ، وقلت فى نفسى لو استطاع الحمار حملى لتحملت العطش يومين على الأقل ، أما إذا خارت قواه وسقط إعياء فسأعجز حتما عن السير يوما كاملا دون أن أشرب فى هذا الجو القائظ. وأنفقنا هذا المساء ساعة سلكنا فيها الوادى ، وساعتين عبرنا فيهما أرضا صخرية ووجهتنا الجنوب الشرقى ، ثم نزلنا لنبيت فى واد ضيق. وكان الإعياء قد بلغ منى مبلغه ، وكنت أشكو التهابا فى عينى منذ بضعة أيام ، وأرقنى التفكير فى موقفنا الأليم. وقد سقط هذا المساء جمل محمل بقرب الماء فانكسرت ساقه وتمزقت القرب وانسكب ماؤها ، ونحر القوم الجمل بالطريقة الشرعية فوجهوا رأسه صوب القبلة وقطعوا حلقومه. وتخلف بعضهم ثم لحقوا بنا ليلا وهم يحملون شرائح من لحم الجمل المذبوح.
١٥ مارس ـ قمنا قبيل الفجر وأنفقنا ساعة ونصفا سيرا فوق إقليم صخرى ، ثم بلغنا سهلا رمليا فسيحا يدعى قب الخيل ، وفى السهل كثير من الصخور الجرانيتية المنعزلة ، وهى شبيهة فى شكلها بالصخور التى وصفتها فى ٦ مارس. وبعد مسيرة أربع ساعات حططنا عند مدخل وادى طرفاوى ، وهو منسوب لأشجار الطرفاء التى تنمو به. ورأينا الأرض مكسوة بشجيرات السنامكى الجميلة التى بدت لنا فى خضرتها ونضارتها منظرا طريفا لا عهد لنا به ، ورأينا ثمر السنامكى قد أنبع واكتمل نضجه فانهالت عليه أسراب الجراد تلتهمه. كذلك ينمو بالوادى كثير من الطرفاء الشوكية وبعض أشجار الدوم ، مما تجعله ألطف وديان هذا الطريق وأشرحها للصدر.
ولقد وجدت بالخبرة أن الصحارى النوبية التى يخشى الناس ارتيادها هى على العموم أقل وحشة من بادية الشام ، ومن صحراء السويس والتيه على الأخص ،