وذلك حكمى عليها حتى شقرة على الأقل. فقل أن مر بنا يوم لم نصادف فيه شجرا وماء قبل شقرة ، والشجر فى هذا الطريق أوفر منه فى طريق القوافل من حلب إلى بغداد أو من دمشق إلى المدينة المنورة. وقد لا يبعث انبساط بادية الشام فى النفس من الرهبة ما تبعثه صخور الصحراء النوبية الجرداء الوعرة ، ولكن لصحراء النوبة ميزة التنوع على الأقل. ولما كنا قد بكرنا فى الوصول إلى محطنا بوادى طرفاوى ، فقد أرسلنا الجمال إلى واد جانبى يقع على مسيرة ساعة ونصف لاستقاء بعض الماء من بركة بالمكان ، وماء البركة ضارب إلى الملوحة ، ولعله لم يتخلف عن المطر فحسب بل نبع من عين فى قاعها. وعادت إلينا الإبل بعد الظهر بقليل. وذبح القوم اليوم بعيرا آخر أيقنوا أنه عاجز عن متابعة السير ، وسرعان ما تكاثرت حول جثته النسور التى يسمونها الرخم لتصيب حظا من لحمه. واشتجر اليوم خبراؤنا العبابدة مع الدراويين طمعا فى ابتزاز مزيد من المال منهم ، ولم يسؤنى هذا الشجار ، ورجوت من ورائه توطيدا للعلاقات بينى وبين العبابدة ، وعللت نفسى بأننا قد نتحالف معا على هذا الخصم المشترك. واستأنفت القافلة السير حوالى الساعة الرابعة بعد الظهر ، وفيما نحن نرحل عن المكان أقبل الأعرابى الذى يحمل قربى الأربعة ، وسلمنى أكبرها وهو يزعم لى أن جمله عاجز عن حملها فوق ما حمل. فأعددت قربتين صغيرتين أفرغت فيهما ماء القربة الكبرى وربطتهما بالحبال ثم وضعتهما على ظهر الحمار. وما إن فرغت من هذا كله حتى كانت القافلة قد سبقتنى شوطا بعيدا ، فاقتفيت آثارها فى الرمال ، ولم أستطع اللحاق بها إلا بعد الغروب. فى مأزق كهذا تمس الحاجة لخادم أو رفيق ، لأن الجلابة قوم لا يعرفون العطف على رفيق يعانى ضيقا أو شدة. وسرنا فى المساء ست ساعات فوق أرض محجرة ، ثم نزلنا ليلا بواد معشوشب يدعى وادى كوع ، وكان سيرنا جنوبا بشرق. ١٦ مارس ـ استرحنا بالوادى ساعات ثم عاودنا السير فوق سهل رملى ، وكانت الجبال الشاهقة تتراءى فى أقصى الشرق. وبعد ثلاث ساعات نزلنا بوادى صفيحة ، ولا تستطيع أن تسميه واديا إلا تجوزا ، فما هو إلا شرايط من أرض منخفضة تمتد فى عرض السهل حيث يتجمع ماء المطر ، فيقوم فيها بعض الشجر ولا