والعشب. ومثل هذا يدعى غديرا فى الصحارى العربية. ومضينا فى السهل بعد الظهر ، وكانت تحيط بنا من كل صوب طوال يومنا بحيرات السراب ، وكان لون السراب أزرق خالصا ، وبلغ من صفاء لونه أن انعكست عليه ظلال الجبال التى تحف بالأفق انعكاسا دقيقا غاية الدقة ، حتى ليخيل للرائى أنه صفحة الماء ما فى ذلك شك. ولقد طالما شهدت السراب فى الشام ومصر ، ولكنه كان يضرب إلى البياض كأنه ضباب الصبح ، وكان دائم التذبذب والاهتزاز لا يستقر له على السهل قرار. أما السراب هنا فيختلف عن هذا كل الاختلاف ، وهو شبيه كل الشبه بالماء ، ولعل الخلاف راجع إلى شدة جفاف الهواء والتربة فى النوبة. كذلك لحظت أن السراب هنا يبدو أقرب للناظر مما يبدو سراب الشام ومصر ، فهو لا يتجاوز المائتى خطوة بعدا ، ولم أره قبل ذلك على مسافة تقل عن نصف الميل. وعددت مرة نحو اثنى عشر سرابا حولنا ، كل منها قائم بذاته ، وجلها فى المنخفضات. وبعد مسيرة ثمانى ساعات وقفنا بوادى أم دوم. واسم الوادى يدل على وجود شجر الدوم به ، ولكنى لم أعثر فيه على دوم ولا على غيره. وقد لحظت أن الوديان جنوبى أم قات تمتد فى الغالب من الشرق إلى الغرب ، فى حين تمتد الوديان الشمالية موازية لطريقنا. وكان اتجاهنا لا يزال جنوبيا شرقيا.
١٧ مارس ـ بارحنا الوادى فى الصباح ودنونا من جبال شقرة الشامخة ، وهى الجبال التى تراءت لنا من بعيد طوال الأمس. وبعد مسيرة ساعتين دخلناها ، ثم ملنا شرقا فجئنا واديا طيبا يزخر بأشجار الدوم وتحفه على الجانبين صخور قائمة لا سبيل إلى ارتقائها. ومشينا مع الوادى تسلك منعطفاته أربع ساعات حتى جئنا عين شقرة فحططنا عندها رحالنا. والجبال المحيطة بنا كلها من الجرانيت ، وتتألف من كتل مختلفة الحجوم مكدس بعضها فوق بعض فى فوضى عجيبة. وتأملت الصخر قرب مدخل الجبل ، حيث ينبع الماء ، وعلى مسافة تحت أعلى القمم ، فوجدته من السماق الضارب إلى الحمرة ، دقيق الحبيبات ذا عروق صغيرة من الفلسپار ، وهو شديد الشبه بالسماق الذى شهدته فى العام الماضى بوادى لامولة بعد الشلال الثانى. والطريق إلى العين شاق لأنه فى نهاية درب ضيق جدا فى فلقة