من الصخر وجدنا فيها فضلا عن العين خزانا لماء المطر. والماء عذب زلال ، ولكنه للأسف ليس غزيرا. على أى حال لم نجد نحن إلا النزر اليسير منه. وكان يحوم حول العين بعض الحمائم. وعين شقرة ذات صيت ذائع فى هذه الصحراء كلها ، وكثيرا ما يضرب البشاريون خيامهم فى الوديان القريبة منها ، ولأحد أوليائهم خرج بجانب العين ، ويقدم المسافرون العطايا والذبائح عند الضريح ، فإذا وجدوا بدوا ضاربين بقربه ابتاعوا منهم الخراف وذبحوها إكراما للولى. وقد عثر أحد جماعتنا خلف صخرة بقرب الضريح على صندوق فارغ جديد من صنع مصر ، ولعل تاجرا أودعه هذا المخبأ بعد أن عجز بعيره عن حمله مؤملا أن يأخذه معه فى إيابه. وقد طالب الخبراء العبابدة بالصندوق زاعمين أنهم سادة الصحراء ، وأن كل ما يعثر عليه فيها فهو لهم. ونزلنا على نصف ميل من العين ، وكان هممنا أن نملأ قربنا أولا. وتلطف العبابدة فسمحوا للتجار المصريين بملء قربهم قبلهم ، ولكن المصريين استغلوا هذا اللطف فسقوا إبلهم أيضا ، فلما بارحوا البئر كان قد نضب الماء أو كاد ، فأعلن العبابدة أنهم مضطرون إلى البقاء حتى تمتلىء البئر ثانية ، وعلى ذلك بتنا الليل كله والعبابدة نيام على فم البئر ليحولوا دون سرقة الماء ليلا.
وفى صباح ١٨ مارس ملأ العبابدة عشرين قربة ولكنهم لم يقنعوا بها ، فآثر التجار أن ينزلوا عن بعض قربهم بشرط الرحيل فورا عن أن يطيلوا المكث بالمكان ويروا مئونتهم من الماء تتناقص ساعة بعد ساعة. أما أنا فقد استطعت بعد لأى أن أملأ قربتين كبيرتين ، وكنت ما أزال محتفظا بصبابة من الماء فى قربى ، فقدّرت أن نصيبى من الماء سيكون على الأقل مساويا لنصيب أى فرد فى القافلة. بيد أن هذا الذى قدرت لم يتحقق ، فقد حملت إحدى القربتين على كتفى إلى مضربنا وتركت الأخرى بقرب البئر على أن أعود بالحمار لآخذها. فلما عدت ألفيتها فارغة ، فقد صبها رفاقى الدراويون فى إحدى قربهم ، واعتذروا بأنهم فعلوا ذلك خطأ ولكنهم أبوا أن يملأوا قربتى من البئر ، والواقع أن ما تخلف الآن فى البئر من الماء كان كدرا عكرا لا يصلح للشرب بسبب ما يكسو القاع من طبقات الطفل الأزرق. وقد عرضت عليهم ريالين ثمنا لقربة ملأى بالماء ، ولكنهم لم