ساعات خرجنا من الجبل وسرنا فوق منحدر هين فبلغنا سهلا رمليا تكسوه الصخور المدببة. وكان اتجاهنا إلى الجنوب بانحراف قليل للغرب. وبعد خمس ساعات مررنا بوادى قبقبة ، وبعد سبع بوادى زيناتيب ، ويندر نمو الشجر فى هذه الوديان ، وهى لا تعدو أن تكون منخفضات من الأرض تنتشر فيها بعض الشجيرات. ومضينا نضرب فى السهل حتى أوغلنا فى الليل ، ثم حططنا بعد إحدى عشرة ساعة تقريبا. والأرض التى جزناها بعد جبال شقرة سهل رملى كبير تتخلله فى بعض أرجائه بقاع فيها الحصباء والحصى من المرو ، وفى بعض أنحائه كثبان رملية متنقلة. وكانت طريقنا منذ خرجنا من دراو حتى بلغنا شقرة طريقا عريضة مطروقة لا يمكن أن يضل عنها من خرج فى هذه الرحلة من قبل. وقل أن تغير الطريق اتجاهها ، كذلك يستطيع المسافر أن يهتدى بمعالم الجبال الواضحة على الجانبين فى المواضع القليلة التى لا تطمر فيها الرمال على آثار القوافل التى سلكتها من قبل. أما إلى الجنوب من شقرة فلم نجد دربا مطروقا ولا جبالا يهتدى بها ، لذلك لا تستغنى القافلة فى سيرها هنا ـ لا سيما فى أثناء النهار ـ عن بصر البدوى الحديد وخبرته الطويلة.
١٩ مارس ـ سرنا صوب الجنوب الغربى فوق سهل فسيح تحفه التلال الواطئة فى الأفق البعيد ، وبلغنا بعد ساعة وادى دبموكايب (وهو اسم بشارى) ، والوادى حافل بالشجيرات الجافة. وكان النهار شديد القيظ ، وخيل إلى أننى تبينت تغيرا ملحوظا فى المناخ جنوب شقرة ، فالجنوب أدفأ كثيرا من الشمال. وبعد ثمانى ساعات ونصف مررنا بوادى أبوضىّ ، وكل هذه الوديان تمتد من الشرق إلى الغرب. وبعد إحدى عشرة ساعة بلغنا آبار النجيم ، ومررنا فى طريقنا إليها بعد العشاء بعدة قبور تدعى قبور أجواد الأرياب ، وذكر لنا أحد شيوخ القافلة إن هذه البقعة مدفن أبطال الأرياب ، يحمل رفاقهم جثثهم إليها رحلة أيام ليدفنوهم فى ظل الآبار الظليل ، وليذكر فعالهم كل عابر بالطريق ويستمطر عليهم شآبيب الرحمة والرضوان. والأرياب قبيلة بشارية. وكنا قد أوفدنا رحالا سبقونا إلى الآبار