فى الصباح الباكر ليطهروها من الرمال ، لأن القوم لم ييأسوا من إمكان الحصول على بعض المياه منها برغم الأنباء التى أتتنا بها القافلة التى لقيناها فى نابه. فلما جئناهم ألفيناهم جالسين إلى جوار البئر وأمارات الحزن والكآبة مرتسمة على وجوههم ، فقد ظلوا يحفرون الساعات الطوال دون أن يوفقوا لشىء سوى الرمل المبلل. وريع القوم حتى البدو منهم لهذا النبأ ، ولم يبق أمامنا من سبيل إلا محاولة الوصول إلى النيل فى مراحل حثيثة مضنية ، وكان لدى كل منا صبابة من ماء ولكنها لا تكفيه أكثر من يوم واحد. والنجيم مجموعة من الآبار عددها ثلاث أو أربع ، يرشح ماؤها من الأرض ويتجمع فى حفر رملية عمق الواحدة منها عشرون قدما أو ثلاثون. وكثيرا ما تسفى الريح الرمال فتسد هذه الحفر ، فتضطر كل قافلة تقريبا إلى تطهيرها من الرمال. ولم نستطع أن نقرب من الآبار إلا واحدة ، أما الأخر فكانت غاصة بالرمل إلى حوافها. وتغيض مياه هذه الآبار إذا شح المطر كما شح هذا العام ، أما حين يسقط المطر غزيرا فإنها تخرج ماء عذبا يكفى تدفقه لتزويد قافلة متوسطة. وصخور التلال المنعزلة الواطئة التى تحدق بالنجيم من الكلوريت والصوان.
٢٠ مارس ـ بات بعض القوم يحفرون البئر الليل كله ، واستطاعوا فى النهاية أن يملأوا القرب بشق الأنفس. وبارحنا المكان بعد منتصف الليل ، فخرجنا من التلال المحيطة بالآبار ، وتنكبنا الطريق المستقيم إلى بربر سالكين بدله سهلا أجرد تكسوه الرمال المتنقلة ، وكانت وجهتنا الجنوب الغربى.
وبعد أربع ساعات مررنا بوادى حلهب. وكل هذه الوديان الواقعة جنوب شقرة تصب مياهها فى النيل سيولا متدفقة كلما هطل المطر على جبال السلسلة الشرقية. وغدت الأرض الآن محصبة تكسوها القطع الصغيرة من الصوان الأسود والصوان الصخرى ، وانبسطت الصحراء داكنة اللون كبيرة الشبه ببعض أجزاء صحراء التيه. ولا ترى هنا أثرا لجبال أو تلال ، وقصارى ما تجده صخور صغيرة من الجرانيت أو المرو أو السيانيت تتبعثر فى السهل هنا وهناك