فتغير قليلا من رتابته المملة الموحشة. وحالفنا الحظ فهبت علينا ربح الشمال ، ولكنا برغم ذلك كنا نعانى شدة القيظ. ولم نشرب اليوم إلا مرتين ، ولم نسق الحمير إلا نصف نصيبها المقرر من الماء. ونزلنا واديا بعد إحدى عشرة ساعة. وقد نشب اليوم شجار بينى وبين رجل من دراو اتهمنى بأنى فتحت قربته ليلا لأسقى منها حمارى ، ثم سبّنى بأقذع الألفاظ وحصبنى بالحجارة ، وبدا لى أنه أفلح فى إقناع رجال القافلة كلهم بأننى قارفت هذا الجرم حقا.
٢١ مارس ـ قمنا بعد منتصف الليل وسرنا فوق أرض رملية حتى جئنا وادى عامور بعد ثلاث ساعات. وكانت الليلة قارسة البرد ، وزاد من تأثرنا ببردها ما عانينا من هجير الأمس. ووادى عامور حافل بأشجار السلّم والسنط ، وكثير منها جاف يابس ، وقد أخذ القوم بعضها فأوقدوه التماسا للدفء. وانتشرت اللهب على الوادى وسطعت على وجوه المسافرين والدواب الوجلة فكان المنظر رائعا أخاذا. وبعد أن خرجنا من الوادى جزنا سهلا محصبا وأرضا مستوية ، وبعد مسيرة سبع ساعات مررنا بواد زاخر بأشجار السنط ، وكان القيظ شديدا والريح جنوبية ، وسقط ستة من الحمير إعياء فاضطر راكبوها للسير فوق السهل المحرق. وأمسكت عن شرب الماء طوال اليوم ، ولكنى كنت أعطى حمارى الجرعة بعد الجرعة إبقاء على قوته ، وبعد مسيرة تسع ساعات صوب الجنوب الغربى بانحراف للجنوب وصلنا وادى أبو سلم الحافل بأشجار السلم ، فنزلنا عن دوابنا لأن الإعياء كان قد أخذ منها كل مأخذ ، وكان بعض الركب متخلفين ، ولو مضينا قدما لضلوا سبيلهم. وكنت مذ غادرنا شقرة لم أذق طعاما مطبوخا ، وإنما كان جل اعتمادى على الكعك إبقاء على ما عندى من ماء. ولكنى جهزت الآن طبخة تناولتها ثم أظفأت ظمأى بجرعة كبيرة من الماء ، وبقيت لى بعد ذلك بقية منه تكفينى جرعة أخرى فى الغد. وخيمت الكآبة علينا جميعا لأنا أيقنا أن الحمير ستنفق كلها غدا إن لم تنل حظها من الماء ، ولم يزد ما عند التجار على جرعات يحتفظ الواحد منهم بها لنفسه وأخذ التجار يتشاورون فى الأمر طويلا ثم استقروا أخيرا على الرأى الوحيد الذى يرجى