من ورائه خلاصنا والذى كان الرئيس العبادى قد أوصاهم به قبل ذلك بأيام. فاختاروا من أشد الجمال عشرة أو اثنى عشر ركبها من الرجال عدد مماثل ، ومضوا بها حثيثا ليجلبوا لنا ماء من أقرب ضفاف النيل ، ولم تكن تفصلنا عنه سوى خمس ساعات أو ست ، ولكن القافلة لم تكن لتجرؤ على اتخاذ هذا الطريق لأن ضفاف النيل هنا يقطنها عرب من أعداء التجار ، وكان قيام الإبل فى الساعة الرابعة عصرا ، وقدرنا لها أن تبلغ النهر ليلا ، وصدر الأمر إلى راكبيها أن يتخيروا من النيل بقعة غير آهلة بالناس ، فيملأوا القرب ويقفلوا راجعين من فورهم. وأنفقنا نحن العشية نهبا للقلق والهواجس ، فلو أن الإبل لم تعد لضاع أملنا فى النجاة من الموت ظمأ أو قتلا بسيف العدو الذى سيقتفى خطى الإبل فى الصحراء إن رآها ويظفر بنا لا محالة. ولحق بنا بعد الغروب بعض من تخلفوا إلا اثنين ، ثم وصل أحد هذين فى صباح الغد ، أما ثانيهما فقد انقطعت أخباره ، وكان خادما لأحد تجار دراو ، ولم يأبه سيده لما أصابه. وجاء فى أثناء العشية كثير من الرفاق يسألوننى جرعة من الماء ، ولكنى أحسنت إخفاء كنزى ، فكنت أريهم قربى الفارغة جوابا. وبتنا أكثر الليل نترقب نتيجة البعثة اليائسة التى أوفدناها ، وقد رانت على صدورنا الكآبة والصمت. وأخيرا طرق أسماعنا فى الساعة الثالثة صباحا هتاف رجالنا الذين استقوا لنا الماء ، وسرعان ما أطفأ كل منا غلته بجرعات موفورة من ماء النيل العذب ، وتغيرت حال القافلة فجأة ، وحل التهليل والفرح محل الكرب والترح. وأعد القوم عشاء وفيرا وبات العرب يغنون أغانيهم حتى الفجر دون أن يلقوا بالا إلى مصير ذلك البائس الذى تخلف عن القافلة. وموت المسافرين ظمأ بهذا الطريق أمر نادر الحدوث ، ويبعد أن تقع مثل هذه الكارثة إذا كان بآبار النجيم ماء .. على أن حادثا من هذا القبيل وقع فى العام الماضى ، وقد روى لى تفاصيله رجل ذاق عذاب العطش ورأى الموت رأى العين. ذلك أنه فى شهر أغسطس أعدت قافلة صغيرة عدتها للسفر من بربر إلى دراو ، وكان قوامها خمسة تجار وزهاء الثلاثين عبدا ومعهم عدد مناسب من الإبل. وقرر التجار أن يسلكوا طريقا شرقية تمر ببئر أواريك خشية أن يسطو عليهم قاطع الطريق نعيم ، وكان فى