تلك القترة يكمن للمسافرين حول آبار النجيم ، وكانت الأنباء تصله بانتظام عند قيام كل قافلة من بربر. واستأجروا دليلا من العبابدة قادهم سالمين إلى البئر ، ولكنه ضل الطريق حين اتجهت القافلة شمالا لأنهم كانوا يسلكون دربا غير مطروق. ونفدت مئونتهم من الماء بعد أن ساروا خمسة أيام فى الجبل على غير هدى ، فصح عزمهم على أن ييمموا غربا أملا فى بلوغ النيل. وبعد أن انقضى عليهم يومان بغير ماء هلك منهم تاجر وخمسة عشر عبدا. وخيل إلى أحدهم ـ وكان من العبابدة ، ومعه من الإبل ثمانية ـ أن الإبل قد تفطن إلى موارد الماء خيرا من راكبيها ، فطلب إلى رفاقه أن يشدوا وثاقه إلى رحل أقوى جماله لئلا يسقط عن ظهره إعياء ، وهكذا فارقهم ووكل أمره إلى جماله تسير به أنى شاءت ، ولكن أخباره هو وجماله انقطعت. وبعد أن غادرت القافلة أواريك بثمانية أيام ، رأى من ظل من رجالها على قيد الحياة جبال شقرة من بعيد فعرفوها لتوهم ، ولكنهم كانوا خائرى القوى لا يملك الرجال ولا الدواب أن يسيروا خطوة واحدة. فتوسد الرجال الثرى تحت صخرة من الصخور وبعثوا خادمين يركبان جملين كانا أشد ما بقى من جمال ليبحثا عن الماء. ولكن قبل أن يبلغ الرجلان الجبل سقط أحدهما عن ظهر مطيته فاقد النطق لا يستطيع إلّا أن يومىء لصاحبه أن يمضى ويدعه يلقى مصيره. ومضى الثانى فى طريقه ، ولكن الظمأ كان قد أعشى بصره فضل طريقه على تمام خبرته به وكثرة سفره فيه. وظل يضرب فى الأرض على غير هدى ، ثم نزل عن بعيره تحت ظل شجرة شده إلى غصن فيها. ولكن البعير شم الماء كما يقول العرب ، فقطع مقوده على ما به من خور وضعف ، ثم انطلق كالمجنون صوب العين ، ولم تكن تبعد إلا مسيرة نصف ساعة كما اتضح فيما بعد. وفهم الرجل السر فى مسلك البعير فحاول أن يقتفى آثاره ، ولكنه لم يخط بضع خطوات حتى تهاوى إعياء وقد أشرف على الهلاك ، ولكن العناية الإلهية قيضت له بدويا من البشاريين المخيمين قرب العين عبر الطريق. فلما وجده رش على وجهه الماء فأفاق من غشيته. وهرول كلاهما صوب العين فملآ القرب وعادا إلى القافلة فوجدا أهلها المعذبين لا يزالون على قيد الحياة لحسن الحظ ،