وكوفىء البشارى بعبد من العبيد جزاء ما قدم. وكان الراوى ـ وهو من أهل ينبع بجزيرة العرب ـ هو الرجل الذى كشف جمله العين ، وقد ذكر لى فيما ذكر أمرا عجيبا ، وهو أن أصغر العبيد سنا كانوا أقواهم على احتمال الظمأ ، وأن الغلمان الكبار ماتوا جميعا فى حين وصل الصغار إلى مصر سالمين.
وفى عام ١٨١٣ وصلت إلى أسيوط قافلة كبيرة قادمة من دارفور ، وكانت رحلة التجار فى أواخر الصيف ، فهلك الكثير من إبلهم فى الطريق وأكرهتهم الضرورة على ترك جزء كبير من بضاعتهم ، وعدد وافر من صغار العبيد العاجزين عن السير ، عند بئر الشب ، وتركوا معهم ما استطاعوا اقتطاعه من زادهم. ثم استأجروا مئات الجمال وقفلوا راجعين إلى الشب ، ولكن العبيد قصار النظر أسرفوا خلال ذلك فى استهلاك زادهم حتى فرغ ، فمات الكثير منهم جوعا.
مثل هذه الحوادث قد يقع أحيانا ، وهو ينجم إما عن عدم وجود الأدلاء الخبيرين ، أو عن اضطرار المسافرين إلى اتخاذ طرق دائرة ، أو عن قلة الجمال المحملة بالماء ، ولكن منشأها فى الغالب هو قلة التيقظ والحيطة. وأرانى مضطرا إلى القول إن الرحّالة بروس قد غالى كثيرا فى وصف ما وقع له من حوادث فى هذه الصحراء. وواجبى يدعونى إلى تقرير هذه الملاحظة ، ولكننى فى الوقت نفسه أقرر هنا أننى وأنا الخبير بخلق النوبيين لا يسعنى إلا التنويه بإعجابى الصادق بما كان عليه بروس من دراية عجيبة بأخلاق الناس وما أوتى من ثبات وحزم وسرعة خاطر ، وكلها صفات يسرت له السياحة أوربيا سافرا بين شعوب متوحشة لا ترحب بالأغراب. نعم إن لسفرك كأحد الوطنيين متاعبه ومشاقه ، ولكن المتاعب التى عاناها بروس أعقد كثيرا من هذه وأخطر ، وهى متاعب لا يذللها إلا عقل راجح وقلب جرىء صبور وحيلة واسعة.
٢٢ مارس ـ تناولنا فطورا شهيا ، ثم مضينا فى الضحى فوق سهل فسيح محصب تقطعه الوديان المتجهة صوب النهر ، والتى نبت فيها الشجر القليل ، وكانت وجهتنا الجنوب الغربى. وبعد خمس ساعات نزلنا بواد يدعى نتيلة. وكانت أوراق السنط