التى تظللنا بها فى الظهيرة من الضآلة بحيث لا تنشر ظلا يذكر ، وما أصدق العرب حين يشبهون الثقة العمياء التى يضعها المغفلون فى وعود كبار القوم بتلك المحاولات التى يبذلها المسافر لاتقاء الشمس المحرقة بالاستظلال بشجرة سنط ، فهم يقولون «كلامه مثل ظل السنط». وينتشر النعام فى كثير من أرجاء هذا السهل ، وقد رأينا هذا الصباح حطاما من بيض أنثاه ، كذلك رأيت عظايا كبيرة الحجم يبلغ طولها على الأقل قدما من الرأس إلى الذيل. وظلت الريح تهب جنوبية. وسألت أصحابى غير مرة هل لهم عهد بريح السموم (وهذه الريح برغم اسمها هذا لا تعدو أن تكون ريحا جنوبية شرقية هو جاء) ، فأجابوا نعم ، ولكن أحدا منهم لا يذكر أن هذه الريح كانت فتاكة قتالة ، وأسوأ آثارها أنها تجفف الماء فى القرب فيتعرض المسافر لخطر العطش. على أن القرب فى هذه الأقطار الجنوبية تصنع من جلد البقر الغليظ الذى لا تكاد تقوى السموم على تخلله. أما فى شبه جزيرة العرب وفى مصر فيستعملون جلود الغنم والماعز فى صنع القرب ، وقد تبينت ما تفعله بها السموم وأنا فى رحلة برية من الطور إلى السويس فى يونيو ١٨١٥ ، حين رأيت ثلث الماء فى قربة ملأى قد تبخر فى الضحى. ولقد تعرضت مرارا للحرور ببادية الشام وصحراء العرب وبصعيد مصر والنوبة ، ولقيت أعنفها وأشدها أوارا فى سواكن ، ولكنى برغم تعرضى لعصفها فى السهل المكشوف لم أضار بها كثيرا. وفى اعتقادى أن المسافرين وأهل مصر وسوريا يغالون فيما يروون عن فعل السموم ، ولم أسمع قط ـ من مصدر موثوق به ـ بحادث واحد فتكت فيه هذه الريح بإنسان أو دابة. أما حقيقة الأمر فهى أن البدو يروّعون الحضر بقصصهم عن فتك هذه الريح بالناس بل عن قضائها على قوافل برمتها ، ولكنك تستطيع أن تستخلص منهم الحق إذا ضيقت عليهم السؤال وتوسموا فيك بعض الخبرة بالصحراء. ولم أر السموم تهب قريبة من الأرض قط كما يظن أغلب الناس ، وكنت إذا هبت أحس بالجو كله متقدا ، وتسفى الريح الغبار والرمال عاليا فى الهواء الضارب لونه إلى الحمرة أو الزرقة أو الصفرة حسب طبيعة الأرض التى يثور منها الغبار ، على أن الصفرة هى الغالبة عليه. وتستطيع أن تكونّ فكرة صحيحة عن منظر