الهواء كما رأيته فى عاصفة سموم بإسنا (مايوا ١٨١٣) إذا نظرت للجو من وراء نظارة صفراء فاتحة. وليس حتما أن تكون السموم مصحوبة بالهبوب ، والمعتدل منها قد يظل الساعات يهب هينا وإن رافقه حر مرهق يزهق الأنفاس ، فإذا أثار الهبوب الغبار ارتفعت الحرارة درجات. وقد سجل الترمومتر درجة ١٢١ فى الظل أثناء هبوب ريح السموم بإسنا ، ولكن قل أن يظل الهواء على هذه الحال أكثر من ربع ساعة ، أو أن تستمر حرارته عالية بعد انتهاء الهبوب. وشر ما يبتلى به المرء إذا تعرض للسموم هو احتباس العرق وجفاف الحلق وشعور الإعياء والضيق ، ولم أر أحدا ينبطح على وجهه اتقاء لفحاتها المؤذية كما زعم بروس أنه فعل وهو يعبر هذه الصحراء. على أن العرب كثيرا ما يغطون وجوههم بعباءاتهم فى أثناء الهبوب ، وهم يركعون إلى جوار إبلهم خشية أن يدخل الرمل أو الغبار عيونهم فيؤذيهم. وتضيق الإبل بهذه الريح أشد الضيق لا لما تجلبه من حر بل لما تسفيه من رمال فى عيونها الكبيرة الجاحظة ، وهى تدير وجوهها وتحاول إتقاء الريح بخفض رءوسها ، ولكنى لم أرها تفعل هذا إلا فى الهبوب ، وهى فيما خلا ذلك لا تبالى بحرارة الجو مهما اشتدت. وقد وقع لى وأنا مسافر من إسنا إلى أسيوط عام ١٨١٣ أن هبت علىّ سموم عاتية فى السهل الواقع بين فرشوط وبرديس ، وكنت أمتطى هجينا خفيفا وأنا وحيد لا رفيق لى. وهبت الهبوب فحجبت عن ناظرى كل شىء ، فلم أعد أرى بيوتا ولا أشجارا ، وفيما أنا أحاول إخفاء وجهى بمندبلى جن جنون الهجين لكثرة ما دخل فى عينيه من تراب وما وقر فى أذنيه من عصف الهبوب وضجيجها ، فأطلق قوائمه للريح ، وأفلت زمامه من يدى فسقطت سقطة مؤلمة ، ورأيتنى عاجزا عن تبين الطريق ولو إلى خطوات ، فلزمت مكانى وأنا مدثر بعباءتى حتى هدأت الريح ، فقمت أتأثر خطوات البعير. وما لبثت أن وجدته على بعد كبير واقفا فى هدوء إلى جوار شجيرة واطئة وجد فى أغصانها بعض الوقاية لعينية من الريح.
وقد ذكر بروس ما بهذه الصحراء من قيزان الرمل المتنقلة ، وأنا لم أرها بنفسى فى رحلتى ولكنى لا أعنى التشكك فى صحة ما زعم عنها. وقد أخبرنى