العرب أن الأعاصير الرملية كثيرة الهبوب ، وأنا نفسى مررت ببقاع فيها رمال متنقلة تحركها أهون الرياح. وأذكر أننى رأيت قيزانا من الرمال تتحرك فى الصحراء (على ضفاف الفرات) كأنها ميازيب الماء. وفى يافا رأيت ما نجم من أضرار بالغة سببتها ريح فجائية. لذلك يسهل علىّ أن أصدق أن هذه القيزان قد تثور فى صحراء النوبة ، وإن كنت فى ريب من أنها تعرض حياة المسافرين للخطر.
وكانت تغطى أرجاء السهل الذى عبرناه هذا الصباح صخور الجرانيت والكتل الضخمة من النيس. وسرنا جنوبا بغرب ملتزمين النيل تقريبا ، ولم يكن يبعد عن يميننا سوى أربع ساعات. ورأينا بعض التلال الرملية الواطئة على ضفاف النيل الغربية ، وبعد مسيرة ثمانى ساعات بلغنا واديا قليل الشجر هو وادى الحمار فنزلنا به ، ويروى أن حمر الوحش ترى أحيانا بالصحراء القريبة من هذا الوادى ، والتى يطلق عليها اسم حمار الوحش.
٢٣ مارس ـ مضينا جنوبا بغرب فى هذه الأرض المنبسطة التى لا يرى فيها للجبال أثر. والسهل مكسو بالحجارة السوداء والحصى المصرى والمرو. ولم أصادف فى هذه الرحلة ضروبا من حجر الدم أو اليشب مذ خرجت من دراو. ومررنا بعدة وديان ولقينا بعض الأرانب البرية ، وبعد أربع ساعات نزلنا بواد زاخر بالشجر يدعى وادى بلم (أو سلم؟) وهنا أجبر الخبراء العبابدة تجار القافلة على دفع نصف أجرتهم (١) ثم سبقنا بعض القوم إلى بربر يحملون أنباء وصولنا ، واستأنفنا السير عصرا ، وكان السهل رمليا ينحدر انحدارا هينا نحو النيل ، ولقينا ونحن ندنو من النهر أسرابا كبيرة من القطا ، وأشعرنا الهواء الرطب البليل بقربنا من النيل قبل أن نصله بساعتين ، وهلل العرب وكبروا حين شموا رائحة ماء النيل من جديد. وأخيرا وصلنا حوالى الساعة العاشرة مساء إلى قرية النخبرة ، وهى أهم قرية فى إقليم بربر بعد مسيرة تسع ساعات. وقد جرت القوافل على أن تجىء هذا الموضع دائما فى
__________________
(*) يتقاضى العبابدة من كل رجل خمسة ريالات ، ومثلها عن كل جمل. وفى العودة يتقاضون ريالين عن كل عبد وخمسة ريالات عن كل حمل مجلوب من السودان.