الليل سترا لبضاعتها عن العيون ، ومغافلة لموظفى الجمرك عسى أن يستطيع التجار تهريب بضائع طفيفة دون أن يؤدوا عنها ما يجب من رسوم.
والطريق الذى سلكناه هو الوحيد بين بربر ومصر ، وهو الطريق الذى تسلكه عادة قوافل شندى وسنار. وثمت طريق أخرى مغرّبة عن هذه من بربر إلى السبوع ، وهى قرية على النيل فى إقليم البرابرة لا تبعد عن الدر كثيرا ، ويشتغل أهلها بتجارة الرقيق. فى هذه الطريق الثانية لا يجد المسافر من الآبار إلا بئرا واحدة فى منتصفها ، وتقع على مسيرة أربعة أيام من بربر ومثلها من السبوع ، واسمها المرة وماؤها متدفق غزير ولكنه خبيث الطعم. ومما يضيق به المسافرون فى هذه الطريق خلوّها من الأشجار كبيرها وصغيرها ، لذلك لا تجد الإبل لها فيها طعاما ، ويضطر المسافرون إلى أن يحملوا معهم خشبا يطهون عليه طعامهم ويستدفئون به فى الشتاء. واقتضتنا الرحلة من دراو إلى بربر اثنين وعشرين يوما ، ولكن يلاحظ أن المراحل إلى حيمور ، بل إلى نابه ، كانت قصيرة جدا. والجبال القائمة إلى الشرق من أسوان وحيمور ـ والتى تبعد مسيرة ثلاثة أيام عن البحر الأحمر ـ أشم ما فى هذه البقاع فيما يروون ، واسمها جبال عتباى ، وقد يقصد بها كل السلسلة حتى بلوغك القصير ، وهم يعنون بها دائما الجبال البعيدة عن النيل ، القريبة من البحر الأحمر. وجبل عتباى ملك للعبابدة وحدهم لا ينازعهم فيه منازع ، وأكثر ما يغشونه فى الصيف حين يعود إليه المقيمون منهم بصعيد مصر فيسرحون فيه ماشيتهم. وبين عبابدة جبل عتباى والبشاريين فى علبة اتصال كبير. ويقدرون المسافة من حيمور إلى دراو بخمسة أيام ، ولكنا قطعناها فى تسعة. ويقدر التجار عادة المسافة بين بربر ودراو بستة أو سبعة عشر يوما ، ورحلة الإياب من بربر أسرع لأن الإبل تكون فيها كثيرة العدد ، ولأنهم يخرجون فيها وكلهم راكب ، ولأنهم يخففون عن الإبل بعض أحمالها كل يوم. وهم يقيلون ثلاث ساعات أو أربع ، ثم يسافرون أكثر الليل ، فيتمون الرحلة فى اثنى عشر يوما. وكثيرا ما قطع الرسل الرحلة من دراو إلى بربر فى ثمانية أيام على ظهور الهجن. وقد تستغرق الرحلة شهرا من الزمان إذا هطل المطر مدرارا وجرى الماء