على الطريق فملأ البرك والمنخفضات وأنبت الكلأ النضر فى الوديان. أما نحن فقدرنا للرحلة ثمانية عشر يوما لا تزيد ، وعلى هذا الأساس تزودنا ، لذلك لقينا الأمرين من شح الزاد والماء فى أخريات الرحلة ، وعانت الدواب أشد مما عانينا ، ولم أجد لحمارى عليقا سوى العدس طوال يومين كاملين. وعليق الجمل عند التجار اثنا عشر رطلا من الذرة فى اليومين أو الثلاثة ، يزيدون عليها عليقا إضافيا للجمل المثقل الذى يحمل ستة قناطير أو سبعة. وكانت الدواب كلها قد أضناها السير ، وظهور أكثر الجمال مثخنة بالجراح (١) لثقل أحمالها وجشع أصحابها وإهمالهم ، فقد أرهقوا إبلهم حرصا على دراهم معدودات يبتاعون بها رحالا جيدة الحشو. على أن فى طاقة كثير من الإبل أن تؤدى هذه الرحلة ثلاث مرات فى الحول ذهابا وإيابا.
ولما وصلنا النخيرة سعى كل تاجر فى القافلة إلى بيت صديق لخلو القرية من خان يأوى إليه المسافرون ، فلا مندوحة للتجار إذن عن أن يحلوا ضيوفا على أهل القرية. ومضى آل علوان الذين صحبتهم من دراو إلى بيت رجل من أقارب شيخ القرية ، واسم الرجل إدريس تمساح. وكنت لا أزال أنشد المنفعة من وراء صلتى بالقوم ، وكنت أكره أن أختصمهم جهرة ، لذلك انضممت إلى جماعتهم. واستضافنا إدريس هذه الليلة ، وفى الصباح توافد علينا الزائرون أفواجا.
والقرية تابعة لإقليم بربر ، ويضم هذا الإقليم فضلا عنها ثلاث قرى كبيرة أخرى إلى الجنوب منها ، فهناك قوز (٢) السوق وقوز الفونج ، ثم الحصا شمالا ، وتبعد زهاء ثلاثة أرباع الساعة عن النخيرة. وفى صعيد مصر والنوبة يقسمون البلاد وديانا يشتمل الواحد منها على عدد من القرى ، وكثيرا ما يطلق على كبرى هذه القرى اسم الإقليم ، فإذا قالوا بربر عنوا النخيرة فى الأغلب ، ولعل لفظ بربر
__________________
(١) هذه الجراح شديدة الخطر ، والجرح منها ـ أو الضبرة كما يسمونه ـ يكون فى كتف الجمل أو ضلوعه الامامية وتسببها الرحال الرديئة. أما إصابات الجمل فى غير هذه المواضع فتبرأ بعد أيام من الراحة والاستجمام.
(٢) فى بلاد الزنج يطلقون لفظ قوز على كل قرية مبنية فى السهل الرملى.