أحمل فى منطقتى نقودا. ولو لا خشيته من مك شندى القوى البأس ، ولو لا خوفه من أن تتعطل تجارة المرور ببربر تعطلا تاما ، لكان فى مطالبه من التجار أشد تعسفا وإرهاقا. وفى ظنى أن دخله السنوى من القوافل يناهز ثلاثة آلاف ريال إسبانى أو أربعة ، وهو ينفقه على بيته الكبير الذى يضم العبيد والجوارى والخيول والهجن العتاق ، وهو يطعم كل يوم حوالى خمسين شخصا من أسرته فضلا عن الأغراب ، وكذلك عليه أن يمنح أقاربه وأتباعه الهدايا بين الحين والحين تدعيما لنفوذه بينهم. وهكذا ترى أن هذه الوجوه التى ينفق فيها ماله لم تتح له ادخار شىء مذكور منه.
وأشاروا لى على أغنى رجال بربر بعد المك ، وذكروا أنه يملك ألف ريال ربحها فى العام الماضى حين تفشت المجاعة بين الناس لأن مخازنه كانت تزخر بالذرة. ووجوه القوم هنا يملك الواحد منهم من ثلثمائة ريال إلى ستمائة ، يدخل فى ذلك ثمن الماشية والأثاث وما إلى ذلك.
وليس لبربر من منافذ تجارية ، فضلا عن دراو وشندى ، إلا القليل. ذكروا لى أن القوافل كانت فيما مضى تسير منها إلى دنقلة مخترقة الجبال على ضفة النيل الشرقية لا محاذية لضفاف النهر خشية أن تكره على الوقوف بكل قرية لتؤدى لها الإتاوة. على أن هذه الطريق تعطلت منذ بدأ عرب الرباطاب يسطون على المسافرين بعد أن نشبت الحرب بينهم وبين جيرانهم. ولا سبيل إلى الاتصال بدنقلة اليوم إلا من طريق شندى ، ومنها تشق القوافل فى الجبال طريقا مستقيمة. ويسكن بربر كثير من التجار الدناقلة ، وقوام تجارتهم التمر والتبغ ، وقد اشتهرت نساؤهم وجواريهم بصنع أفضل أنواع البوظة. ويفد على بربر البدو البشاريون والزراع النازلون ضفاف نهر مقرن ـ الذى يسميه بروس مارب ـ ليشتروا حاجتهم من الدمور ، وليبتاعوا من التجار المصريين الخرز والكحل وجوز الطيب وشتى العقاقير الداخلة فى تركيب الدهن المعطر الذى سبقت الإشارة إليه. وكذلك تصلها بين الحين والحين القوافل القادمة من التاكة عبر الجبال الشرقية ـ وهى رحلة عشرة أيام أو اثنى عشر ـ لتشترى هذه السلع