ويلوح أن شئون هذه الدولة الدينية الصغيرة تصرّف بمنتهى الحكمة والتعقل. وجيرانها يكنون للفقهاء أعظم الاحترام والإجلال ، فقد ألقوا الرهبة حتى فى قلوب البشاريين الغادرين فلم يسمع أحد أنهم اعتدوا على دامرى يعبر الجبال من بلده إلى سوا كن. وأخوف ما يخافه البشاريون أن يقطع الفقهاء عنهم المطر بسحرهم فتهلك أغنامهم ومواشيهم. وتسير القوافل من حين لحين بين الدامر وسوا كن لأن من الفقهاء تجارا كثيرين. ووجدنا خارج المدينة مضارب للبشاريين والجعليين الذين قدموها ليبيعوا غنمهم. وتوجد الآبار العامة فى المدينة وفى الطرق المؤدية إليها على أبعاد متقاربة.
وجل تجارة الدامر مع دنقلة وشندى ، ولا تصلها ببربر إلا القوافل المصرية المارة بها. ويصنع القوم قماشا قطنيا خشنا هو تقليد للدمور الذى تصنعه سنار ، ومعظم البضائع المصرية فى متاجر الدامر. وليس فى البلدة سوق يومية ولكن فيها سوقا أسبوعية يعرض فيها كل تاجر بضاعته. وذكروا لى أن المبيع من الماشية فيها كثير ، وأن الحصر الدامرية المصنوعة من خوص الدوم تلقى رواجا كبيرا فى البلاد المجاورة كلها. وفى بلد كالدامر يخلو من السوق اليومية ولا يعرض البائعون فيه سلعهم إلا مرة فى الأسبوع يعانى الغريب الأمرين فى شراء ما يحتاج إليه من سلع بسيطة. من ذلك أنى احتجت لقليل من ذرة عليقا لحمارى ، ولكن أقل عملة معدنية يتعامل بها القوم هى الريال ، ومقدار ما يشتريه من الذرة يفوق كثيرا ما أستطيع حمله معى. لذلك اضطررت إلى أن أحذو حذو رفاقى ، فطفت بالبيوت أعرض على أصحابها مسابح من خرز بسعر أربع حفن من الذرة للمسبحة. وجنيت من وراء هذه الطريقة ربحا قدره ٦٠% من الثمن الأصلى ، وأتيح لى فوق ذلك أن أدخل كثيرا من البيوت. وأدهشنى أن أكتشف عددا كبيرا من مشارب البوظة وبيوت اللهو منبثة فى أرجاء المدينة برغم تزمت الفقهاء وصرامتهم. وأعدت طوافى بهذه البيوت يوميا فى أثناء مقامى بالدامر ، وفى عصر يوم كنت أنادى على مسابحى فأقبل على فقيه وسألنى هل أقرأ القرآن؟ فقلت نعم ، فطلب إلى أن أتبعه إلى بيت قد أصيب فيه غداء طيبا ،