من الشطيطة الحمراء التى يصدر بعضها والتى يولع القوم ولعا شديدا بتتبيل طعامهم بها. وينتج هذا الإقليم القطن الكثير ، كذلك ينتج قليلا من التبغ لسوق البشاريين ، وهو فى أحط الأنواع ، أما الفقهاء أنفسهم فلا يدخنون قط. وقد خيل إلى أن ماشية الدامر أجود وأسمن من ماشية بربر ، وهم لا يربون من الخيل إلا القليل ، أما الحمير فكثيرة ، وقد اشترى أصحابنا التجار بعض الإبل وباعوا شيئا من بضاعتهم. ولا يتقاضى الفقهاء ضريبة مرور فإن أهم مواردهم يأتيهم من الزراعة والتجارة ، وهذا هو السر فى ازدهار الدامر وثرائها ، لأن القوافل لا تجد أى بأس من المكث بها أياما. وكان مضيفنا فى مطالبه منا معتدلا بعيدا عن الشطط ، وشعرت وشعر أصحابى ونحن نغادر البلدة أنا راضون عن أهلها كل الرضى. وأرسل العبابدة أقماعا من السكر للفقى الكبير ، ولكنهم أعطوها بمحض اختيارهم.
١٥ إبريل ـ بكرنا فى الرحيل بصحبة فقيهين يحرساننا حتى حدود إقليم شندى. وهذا الطريق خطر وأهله لصوص ، ولكن خوف الفقهاء تغلغل فى قلوب القوم بحيث كان مجرد رؤية فقيهين يسيران أعزلين على رأس القافلة كافيا لبعث الرهبة فى نفوسهم. وكثيرا ما أقبلوا نحونا ليلثموا أيديهما ثم يعودوا أدراجهم. ولو لا معونة هؤلاء الفقهاء لاقتضى عبور هذا الطريق قوة مسلحة ، وقد درجت القوافل القادمة من الجنوب على الوقوف بحدود شندى الشمالية حتى يصلها فقيه من الدامر ليحرسها.
وعلى الرغم من وجود دليلينا كان كلهم نهبا للوساوس والمخاوف ، ولصق بعضها ببعض خشية أن يفتك اللصوص بالمتخلف منا بين الأحراج. وحملت بندقيتى فى يدى ، وكنت أعلم أنها خليقة بأن تروع عصابة بأسرها ، ولكننى كعادتى فى أسفارى لم أر ضرورة لتعبئتها. وأقبل علىّ كبير التجار الدراويين ، ولما علم أن البندقية فارغة أمرنى فى صلف أن أعبئها بمقذوف ولكنى أبيت. وعلى إثر ذلك نشب بيننا شجار حاد ، فسبنى بأقذع الألفاظ ورمانى بالجبن ، وزعم أننى غير جدير بحمل السلاح ، فأجبته «قد يكون هذا صحيحا ، ولكنى على أى حال ألفت حمله ، أما أنتم فتجدون العصا أو المنجل أليق لأيديكم من السيف». ووجد الرجل فى