مع أنتى كنت أعزل جردوا سيوفهم ، فما كان منى إلا أن أطلقت ساقى للريح ولحقت بأصحابى ، فلما رويت لهم ما حل بى ضحكوا منى وأشاروا على بأن أشكو أمرى إلى شيخ القرية وهو كفيل بالكشف عن اللصوص. ولقيت الشيخ آخر الليل فى مشرب من مشارب البوظة يحيط به جماعة من السكارى ، ووصفت له اللصوص فلم يمض قليل حتى ردت إلىّ المسابح والعمامة. ثم ألح على الشيخ فى أن أجالسه وأشاربه ، فلما اعتذرت صحبنى إلى قومى ، واضطررت آخر الأمر أن أنفحه بما يساوى ضعف ثمن المسروقات. وقد سقت هذه الواقعة مثالا لما يتعرض له المسافر فى هذه الأنحاء من خطر السرقة إذا سار فيها وحيدا.
١٦ أبريل ـ بلغنا قرية قباتى بعد مسيرة أربع ساعات من حوايه. ويبنى القوم هنا قراهم الكبيرة كما يبنيها سكان المرتفعات فى صعيد مصر ، أعنى على منحدر تلال الصحراء غير بعيد من الأرض التى يزرعونها. ورأيت فى قباتى بناء غريبا يقوم فوق ضريح أحد الأولياء ، والبناء مخروط منتظم يعلو نحو الثلاثين قدما ، ويرتكز على قاعدة مربعة ارتفاعها خمس أقدام أو ست. وفيها باب منخفض.
والبناء كله من اللبن ، وقد وجدت بابه موصدا ، وقيل لى أنه لا يفتح إلا أيام الجمعة. وشكل البناء من بعيد كشكل الهرم بالضبط ، ولعل الإثيوبيين كانوا أول من استخدم هذه الأبنية قبورا من قديم العهود ، ولعلها الأصل فى مقابر منف العظيمة. ورأيت فى شندى بناء منها ولكنه أصغر حجما ، وفيما خلا هذين لم أصادف لها مثيلا على كثرة قبور الأولياء والمشايخ فى شتى القرى الكبيرة.
وسرنا من قباتى على السهل الزراعى تارة وعلى التلال الرملية تارة أخرى. وأعرض ما يبلغه السهل من التلال إلى النهر أربعة أميال. وكان القوم قد ضموا