محصولهم من أمد طويل ، ولكن سيقان الذرة كانت ما تزال تكسو السهل كله متفرقة فيه لا مزدحمة متقاربة كما ترى فى مصر ، وهو دليل واضح على ما تلقى الزراعة هنا من إهمال شديد. وفى الحقول الكثير من أشجار النبق ، أما أطراف الصحراء فتكسوها أشجار العشر. ومررنا بعدد من النزلات فى التلال القائمة إلى يسارنا ، وبعد مسيرة عشر ساعات جئنا قرية جبيل [أم على] ليلا ، فوجدناها قرية كبيرة جاثمة بين التلال ، وفيها عدد من المساجد الصغيرة والمبانى الجيدة. ويحكمها قريب من أقارب ملك شندى الذى يمتد إقليمه إلى حواية. وحططنا فى ساحة مكشوفة خلف القرية ، وبعد أن مضينا لنصيب حظنا من الراحة أيقظنا خدم فقيه القرية الكبير حاملين لنا من قبله عشاء طيبا. وفى أثناء مسيرنا هذا النهار كنا نلقى كثيرا من المسافرين فى الطريق ، وجلهم على ظهور الحمير ، كذلك التقينا بقافلة صغيرة قادمة من شندى قاصدة بربر. ورأيت سدودا أثرية من الثرى لم ألمح فيها أثرا للحجر أو اللبن ، وقنوات كثيرة شقت لرى السهل ولكنها كادت تغص بالتراب فلم يعد لها نفع. وتبدأ قرب جبل أم على سلسلة من الجبال صخورها من الحجر الرملى ، وتمتد جنوبا محاذية للنهر.
١٧ أبريل ـ بعد أن غادرنا جبيل أم على بساعتين مررنا فى أثناء عبورنا الأرض الزراعية بتلال منخفضة من الأنقاض والآجر ، طول التل منها ثمانون خطوة تقريبا ، وتمتد بعرض الأرض الزراعية ميلا على الأقل إلى الشرق ، وخيل إلىّ أنها تنحرف فى نهايتها نحو الجنوب ، والآجر فجّ الصنعة لا يدانى ما يصنع منه اليوم فى مصر. ويلوح أن هذه التلال كانت تستعمل سورا وإن لم يبق منه آثار يكوّن منها الناظر رأيا فيه. وقد مررنا فى شماله وجنوبه بأسس مبان متوسطة الحجم بنيت بالحجر المنحوت ، وهذا كل ما رأيت من أطلال ، ولم أشهد ـ على قدر ما أسعفنى بصرى ـ أثرا لحجارة مبعثرة بين تلال الأنقاض ، ولعلى كنت واصلا إلى كشوف أمتع من هذه لو أننى أنعمت النظر فى المكان وأطلت فحصه ، ولكنى وأنا مقيد بالسير مع الركب ـ ما كنت لأستطيع الوقوف بأطلال لأفحصها ولو كانت عجائب طيبة. وجئنا قرية صغيرة تدعى روّا بعد مسيرة ثلاث ساعات ،