وعندها يزداد انحراف التلال شرقا ، فتترك سهلا عرضه لا يقل عن عشرة أميال. والسهل يزخر بالنباتات البرية تخالطها كل ضروب السنط الشوكى ، وتنبث فى أرجائه الأكواخ والنزلات ، وهو منتجع العرب الجعليين ، تسرح فيه قطعانهم من البقر والإبل والغنم. ولهؤلاء العرب بعض السواقى ويزرعون المقادير الكبيرة من البصل يغذون بها سوق شندى ويصنعون أكواخهم من الحصر ، وقد طرقت بعضها ولكنى لم أستطع أن أظفر من أهلها بقطرة من اللبن دون أن أؤدى الثمن ذرة. وكانت الأعشاب البرية وأغصان السنط المتدلية تزحم الطريق وتعرقل سير إبلنا المحملة.
ومضينا ساعتين أو ثلاثا وسط هذا الإقليم الخصيب ، ثم دخلنا ثانية سهلا رمليا تكسوه أشجار السيال الضخمة ، فحططنا على ضفة النهر العالية ساعات الظهيرة وسقينا الإبل. ومرت فوق رءوسنا أسراب كبيرة من اللقالق ميممة شمالا. وطوينا هذا السهل الرملى بعد سبع ساعات من قيامنا فى الصباح ، ودخلنا بقعة أقل منه اتساعا تدعى بيوضة ، ولكنها فى خصوبة السهل السابق. وتشتمل بيوضة على نزلات كثيرة بيوتها من غرفة واحدة تفى بجميع الأغراض. وهنا تقوم مصانع الملح التى تغذى بهذه السلعة جميع هذه الأرجاء حتى بلوغك سنار ، ويجمع العرب التربة أكواما على جانب الطريق ، وهى فى هذه المنطقة وفى أميال حولها مشبعة بالملح ، ثم يفصلون الملح عن التربة بغليها فى قدور كبيرة من الفخار ، ويغلون الجزء الملح مرة ثانية فى قدور أصغر ، ثم يقرّصون الملح المتخلف أقراصا صغيرة مستديرة قطر القرص منها قدم وسمكه ثلاث بوصات ولونه أبيض ناصع ، وله مظهر الملح الصخرى ، ويعبأ اثنا عشر قرصا من هذه الأقراص فى سلة ، وحمولة الجمل أربع سلال منها. والملح سلعة هامة فى تجارة شندى ، ويشترى تجار سنار المقادير الكبيرة منه لأسواق الحبشة ، ويقايضون عليه بالذهب والرقيق فى الجبال المحيطة براس الفيل ومصانع الملح هذه ملك لأمير شندى ، وكان على النارحين مررت بها عشرون قدرا.
ووراء سهل بيوضة ، حيث يدخل الطريق مرة أخرى فى صحراء رملية جرداء ، تقوم