نخلة فارعة هى الوحيدة التى تراها فى هذه البلاد ، ولا غرو فالنخل لا يزرع من دنقلة إلى سنار. ويتهلل التجار لمرآى هذه النخلة فهى بشيرهم بختام موفق لرحلتهم. وكان فى انتظارنا جماعة من أهل شندى جاءوا يحيون أصحابهم ويلقون على بضاعتهم نظرة. ولا يدخل التجار شندى نهارا ، لذلك حط الركب حتى غربت الشمس ، ثم عاودنا المسير إلى المدينة هونا حتى بلغناها بعد مغادرتنا جبيل أم على بتسع ساعات تقريبا.
شندى من ١٧ أبريل إلى ١٧ مايو ـ نزلنا بيتا فسيحا لصديق من أصدقاء العبابدة ، وكان فى أطراف المدينة من ناحية الصحراء. إلا أن مك شندى أوفد إلينا فى الصباح عبدا ينبئنا بأنه يطلب البيت لجارية من جواريه الحبشيات ستطعم بلقاح الجدرى ، وكان يريدها أن تقضى فترة مرضها فى بيت منعزل خلوى متجدد الهواء. وأمر المك بأن يعد لنا بيت آخر فى وسط البلدة ، فمضينا إليه فى الغد ، ووجدنا رب البيت غائبا ، ولكن امرأته احتفت بمقدمنا.
وشندى أكبر بلد فى شرق السودان بعد سنار وكوبى (بدارفور) ، ويقول التجار إنها أكبر من عاصمتى دنقلة وكردفان. وتتألف من عدد من الأحياء تفصلها عن بعضها البعض الميادين العامة أو الأسواق ، وقوامها ثمانمائة بيت إلى ألف. وهى مبنية فوق السهل الرملى على نحو نصف ساعة من النهر ، وتشبه بيوتها بيوت بربر ، ولكنها أعمر منها بالمبانى الكبيرة وأقل منها خرائب. ولا تكاد تجد لشوارعها نظاما ، فالبيوت منبثة فوق السهل فى فوضى عجيبة ، ولم ألحظ الآجر فى مبانيها ، وتشتمل بيوت المك وأقاربه على حيشان مساحة الحوش منها عشرون قدما مربعة تحيط بها أسوار عالية ، ويصدق هذا على سائر بيوت شندى. وعلى رأس الحكومة مك اسمه نمر ، وتنتمى أسرته للعشيرة التى تحكم سنار ، واسمها ود عجيب وهى من عشائر الفونج كما فهمت. وكان أبو نمر عربيا من قبيلة الجعليين ، ولكن أمه من عشيرة ودعجيب الحاكمة ، ويبدو من هذا أن للنساء الحق فى وراثة العرش ، ويتفق هذا وقصة بروس الذى روى أنه وجد على عرش شندى امرأة تسمى ستنا. ومك شندى خاضع لملك سنار ، شأنه فى ذلك شأن ملك بربر ،