ولكنه فى واقع الأمر مستقل كل الاستقلال إذا استثنيت ما يؤديه من إتاوة عند ارتقائه عرشه وما يرسل للملك ووزيره (١) من هدايا بين الحين والحين ، وهو مطلق التصرف فى حكم إقليمه الذى يمتد مسيرة يومين إلى الجنوب.
وقد اتصلت الحرب سنوات بين نمر وعرب الشايقية قبل أن يصل المماليك دنقلة ، فقتل الشايقية نفرا من أقاربه وأغاروا مرات على أرضه وأملاكه على ضفة النيل الغربية بفرق كبيرة من فرسانهم فتركوها خرابا يبابا. ثم اصطلح عرب الشايقية معه ليفرغوا إلى قتال المماليك قتالا مجديا ، فانقلب عليه أخوه الذى وكل إليه حكم الشاطىء الغربى وأشهر عليه الحرب ، واستمرت الحرب بينهما سجالا سنوات دون أن تنتهى بظفر أو هزيمة يؤبه بهما لأن النهر يقوم حدا بينهما فلا تستطيع عبوره من جيوشهما إلا شراذم صغيرة.
وحكومة شندى أقوى من حكومة بربر ، فلملكها سلطة مطلقة لا تحد منها عصبية الأسرة القوية التى لا هم لها فى هذه البلاد إلا الإخلال بالنظام ، وهو لا يلجأ إلى ما يلجأ إليه مك بربر من ابتزاز مال الغرباء ابتزازا يفزعهم من هذه البلدة ، ولعل الفضل فى احتفاظه بهذه السلطة المطلقة راجع إلى تعدد القبائل العربية النازلة بشندى ، وإلى أنه ليس فيها قبيلة بلغت من القوة مبلغا يتيح لها التصدى لقبيلة المك وبطونها الكثيرة. وأكبر هذه القبائل النمراب والنافعاب والهلبون ، وجلها ما زال يحيا حياة البداوة. وطبقة التجار هى أجل طبقات الناس فى شندى قدرا وأوفرها اعتبارا ، وبين هؤلاء كثير من النزلاء وفدوا عليها من سنار وكردفان ودارفور ودنقلة ، وأكثرهم نفرا هم الدناقلة ، ويشغلون حيا كاملا ولكنهم أقل هؤلاء النزلاء قدرا فى عيون أهل شندى ، فهم ينعون عليهم شحهم ، وقد أصبح ولعهم بالمال مضرب الأمثال ، وزاد فى تلويث سمعتهم اشتغالهم بالربا ، وهى تجارة تكاد تقتصر عليهم ، حتى إنك لو دعوت عربيا من أهل شندى ب «الدنقلاوى» لعدها منك إهانة لا تغتفر ، فالدنقلاوى هنا كالهودى فى أوربا.
__________________
(*) يقولون إن وزير سنار ـ وهو من أسرة غدلان ـ هو السيد المهيمن عليها ، أما المك فليس له من السلطلة إلا ظلها.