وتزكو التجارة فى شندى لأن المك لا يبتز من التجار ضرائب ، وقد أكد لى كثيرون أنه لا يجرؤ على هذا خشية أن يغضب وزير سنار. ولست أدرى مبلغ ما فى هذا الزعم من صحة ، ولكن الواقع أن القوافل معفاة من المكوس أيا كانت ، ولا يقدم المسافرون للمك سوى هدية صغيرة ليبسط عليهم مزيدا من حمايته الخاصة ، ويضيفون إليها هدية أخرى لأحد إخوته ، وهو من وجوه المدينة. وقد أرسل أصحابى العبابدة للمك لفة صغيرة من الصابون والسكر أسهمت فيها بنصف ريال. ولم أسمع بوجود وظائف أخرى أدنى من وظيفة المك فى حكومة شندى ، ويبدو أن ملكها قد جمع فى يده كل السلطات ، وأقرباؤه يحكمون القرى التابعة للإقليم ، وقوام بلاطه ستة من الشرطة وكاتب وإمام وخازن وفرقة حرس جلها من الرقيق. أما أخلاق أهل شندى فكأخلاق أهل بربر سواء بسواء. نعم إن المك يلزمهم بعض الحدود ، ولكن اللؤم والبغى لا يجدان رادعا ، ولا غرو فهم يعلمون أن القانون لا يملك إلا أن يحاول منع وقوع الجرائم ولكنه قلما ينزل بهم العقوبة الرادعة. وكثيرا ما يساق إلى المك لصوص سطوا على الناس ليلا ، وسكارى اعتدوا على الأغراب ، وسارقون ضبطوا فى الأسواق ، إلى غير هؤلاء من المجرمين ، فيقتصر فى عقابهم على الحبس يومين أو ثلاثة ، وما سمعت قط أنه أمر بإعدام مجرم منهم أو حتى جلده ، مع أن مثل هذه الجرائم كانت تقترف يوميا خلال مقامى بشندى. وكان يؤذن لمقارفيها بالعودة إلى بيوتهم مطمئنين بعد أن يدفعوا غرامة صغيرة للمك ورجاله. أما فى كردفان فعقاب السرقة الإعدام فيما سمعت.
وبيوت الليل ومشارب البوظة منتشرة هنا انتشارهما فى بربر ، بل إن المشارب أكثر انتشارا. ولم تمر بى ليلة لم أسمع فيها أصوات السكارى يتصايحون بأغانيهم فى مجالس البوظة مع أن الحى الذى نزلنا كان من أهدأ أحياء المدينة ، وهو حى الدناقلة الذين يعصمهم الحرص على المال من الانغماس فى اللهو وإدمان هذه المعاصى. وبينما كنت فى بربر أرى البغايا لا يختفين لم ألقاهن فى الطرقات بشندى إلا قليلا ، وإن كنّ ، فيما يقال ، داخل البيوت يكدن يبلغن فى الكثرة أخواتهن فى بربر. ولباس أهل شندى وعاداتهم وآدابهم لا تختلف عما وصفت فى غيرها من