البلاد التى مررت بها ، ويبدو أنها هى بعينها حتى بلوغك دارفور وسنار. وقد لحظت أن نسبة المتأنقين فى لباسهم بشندى أكثر من نسبتهم ببربر ، كذلك كانت ثياب القوم أنظف. والذهب من السلع الكثيرة التداول فى سوق شندى ، لذلك ترى بين نسائها من يلبسن الأقراط فى أنوفهن وآذانهن أكثر مما ترى بين نساء بربر. والقوم هنا أيسر حالا ، ومن المألوف أن ترى الأسرة منهم تملك اثنى عشر عبدا يخدمون فى البيت وفى الحقل.
وأهل شندى كأهل بربر رعاة وتجار وزراع. على أن القوم قلما يكترثون للزراعة ، فهم يتركونها لزراع العرب المجاورين للمدينة. والأرض الزراعية القريبة من شندى ضيقة الزمام ، ولكن فى شمالها وجنوبها بعض السهول الخصيبة. وسواقى الماء شائعة الاستعمال ، ومعظمها قائم على شطئان النهر العالية التى يعجز أعلى الفياضانات عن غمرها بالماء. وهى تتيح للزراع محصولا سنويا واحدا ، وفى إمكانهم أن يزرعوا محصولا ثانيا وثالثا كما يفعل أهل الصعيد فى أراضيهم العالية التى قل أن يرقى إليها ماء النهر ليغمرها بفيضانه ، ولكن فى طبعهم من الكسل وفتور الهمة ما يقعد بهم عن بذل الجهد فى رية ثانية أو ثالثة. والذرة أهم المحاصيل ، ويزرع القليل من الدخن والقمح ، فأما الدخن فيأكله التجار القادمون على شندى من الغرب ، وأما القمح فيكاد يقتصر استهلاكه على الأسر الغنية. وتعرض السوق على الدوام المقادير الكبيرة من البصل ، وبعض الشطيطة المجلوبة من كردفان ، والبامية والحمص والملوخية والترمس (١) وكلها أخضر أو مجفف. ويزرعون فى موسم الفيضان شيئا من البطيخ والخيار ، ولكن المزروع منهما لا يتجاوز حاجة حريم المك.
وماشية شندى طيبة ، ويقول أهلها إنها تجود وتكثر كلما صعدت فى النهر. ولم أر هنا من الحيوان الأليف ما لا يوجد مثله فى مصر. وأول ما تلقى الفيلة فى أبو حراز على مسيرة يومين أو ثلاثة شمال سنار ، ولم تر قط مجاوزة هذا الإقليم
__________________
(١) يستعمل دقاق الترمس فى مصر بديلا عن الصابون فى غسل الرأس والجسم.