كثيرا من النسوة يسكن أكواخا حقيرة فى شتى أحيائها ، وهن على استعداد لطحن الذرة وخبزها على الفور لقاء أجر زهيد. ومن عادات القوم الراسخة ألا يأكل أحدهم فى السوق أو على ملأ من الناس ، بل ليس من حسن الأدب عندهم أن يرى الرجل يلوك طعاما بعد خروجه من عتبة بيته ، وعلة هذا ما وقر فى ذهن القوم من أن الأكل قد يتطلع إليه إنسان جائع فيحسده على اللقمة التى يأكلها ، وهم يقولون «الطعام المحسود ما فيه بركة». ولهذا السبب عينه تجد أحقر الفلاحين من المشارقة لا يتناول غذاءه من الخبز والبصل إلا بعد البسملة ودعوة كل عابر ليشاركه طعامه ، وهو يحسبه فضلا منك أن تشاركه لقمة من رغيفه ، وإهانة أن ترفض دعوته صامتا ، فهو ينتظر منك على الأقل إذا لم تشأ أن تشاركه طعامه ، أن تقول له «هنيا» جريا على عادة أهل البلاد. أما فى تركيا فهذه العادة غير مرعية ، والناس هناك يأكلون فى الأسواق وأمام بيوتهم. وكثيرا ما كنت أشترى اللبن من سوق شندى فى الصباح الباكر ثم أخلو إلى نفسى فى كوخ مجاور لأشربه ، ولكن هذا كان يكلفنى حفنة من الذرة أنفح بها صاحبة الكوخ لقاء إذنها لى بدخول كوخها.
النبغ. إن تجار التجزئة الذين يبيعون التبغ منبثون فى جميع أنحاء السوق. ويدمن القوم التدخين عند تذوقهم التبغ ويعدونه ترفا. على أن شغفهم به لا تخالطه صفاقة أهل بربر الذين يأخذون قصبتك من بين شفتيك ليدخنوها. أما الفقراء فلا يدخنون قط. وأجود أنواع التبغ ما يستورد من سنار ، واسمه التابه ، وإذا جف استحال لونه أخضر داكنا ، وشابه التبغ المزروع فى جبال البطراء مذاقا وشكلا. كذلك تستورد من سنار قصبات التدخين والمباسم من الفخار. ويمزج الكثيرون النطرون بالتبغ قبل أن يمضغوه. أما السعوط أو النشوق فشائع الاستعمال ، ويصنعونه بسحق التبغ دقيقا وخلطه بثلث مقداره نطرونا. وعلب النشوق هى جوزات هند صغيرة مجلوبة من سنار ، أو قرعات صغيرة جدا. وهم كأهل الحجاز يضعون النشوق على ظفر إبهامهم لا بين السبابة والإبهام. ويحمل تجار سواكن الجمال الكثيرة تبغا ليبيعوه فى أسواق جدة واليمن. ولأهل هذه البلاد عادة فى التدخين لا تجدها