أقاليم الوثنيين المتاخمة لدارفور وبورقو ودار صليح. أما العبيد المجلوبون من بورنو ـ ويتميزون بالوشم على جلودهم ـ فلا يذهبون إلى شندى قط ، والذين تراهم منهم فى مصر إنما جاءوها بطريق فزان. وقلّ من التجار الأجانب من يفد على شندى خلاف المصريين ، وقد يفد عليها أحيانا بعض عرب ينبع فى قوافل سواكن أو فى القوافل المصرية لأن للينبعيين بصعيد مصر مساكن كثيرة فى قنا وقوص. وحين نزلت شندى كان فى كردفان ينبعيان وتركى من موهل. وقد ذهب إليها هذا التركى يحمل تجارة قليلة من مصر ، ولكنه أنفق ماله فى الدعارة والفجور ولم يستطع أن يدبر مبلغا يستعين به على العودة للشمال. وقد يسلك هذا الطريق التجار الأتراك (١) القادمون من مصر إلى دارفور أو الأشراف القادمون من الحجاز للحصول من الملوك على العطايا بالإلحاح واللجاجة نزل شندى حين كنت بها عربى قادم من سواكن ، وكان من عشيرة رفاعة التى تنتسب إلى قبيلة كبيرة تجاور ينبع هى قبيلة جهينه (٢). وأخبرنى الرجل أن من أبناء عشيرته رفاعه ـ فيما سمع ـ قوما نزلوا جنوب سنار ، وأنه ينوى أن يلم يهم طلبا لعطاياهم لأنهم كانوا يعطفون على ذوى قرباهم بالحجاز ، لا سيما على الذين يتجشمون منهم مشقة الرحلة للسلام عليهم وكان على علم باسم أحد مشايخ رفاعه وبموطنه من شاطىء النهر على نحو ستة أيام من سنار ، وغادر الرجل شندى فى قافلة سنار قاصدا هذا الشيح.
وبلم بشندى أحيانا أفراد قادمون من الحجاز ومصر إلى سنار طلبا لصغار القردة يدربونها على ألعاب يتلهى بمشاهدتها أهل المدن فى بلاد العرب والشام ومصر. وكان القوم حين يتبينون فى ملابسى وأدواتى رثاثة لم يعهدوها فى التجار يسألوننى المرة بعد المرة ، أقادم أنا فى طلب قردة؟ وهؤلاء القرادون محل الازدراء والتحقير لأنهم ـ على حد قول السود فيهم ـ ينفقون حياتهم كلها فى إضحاك الناس عليهم.
__________________
(١) حين أستعمل لفظ الأتراك أقصد بهم العثمانيين أو مسلمى أوربا وآسيا الصغرى.
(٢) لقيت فى القاهرة أعرابيا من قبيلة جهينة أخبرنى أن القبيلة قوامها بدو وزراع.