لقد أفضت فى الحديث عن التجارة لأنها عصب الحياة فى هذه البلاد. ولن تجد من القوم أسرة واحدة لا صلة لها بفرع من فروع التجارة ، سواء تجارة الجملة أو التجزئة ، وتستطيع أن تسمى أهل بربر وشندى أمة من التجار بأدق ما فى هذه العبارة من معنى. وبقيت لى ملاحظات قليلة أذكرها فيما بلى عن أهم فروع تجارتهم وأعنى به تجارة الرقيق.
يبلغ عدد المبيع من الرقيق سنويا بسوق شندى ـ حسب تقديرى ـ قرابة خمسة آلاف ، يحمل التجار السواكنيون نصفهم والمصريون ألفا وخمسمائة منهم ، أما مصير الباقين فدنقلة ومواطن البدو الواقعة شرقى شندى تجاه عطبرة والبحر الأحمر. وقد أشرت فى حديثى السابق إلى المواطن التى يجلب منها هؤلاء. فموطن المجلوبين من كردفان إلى دارفور فى الغالب بلاد يندا وباجه وفتقو وفرتبت الواقعة إلى الجنوب والجنوب الغربى من دارفور على مسيرة عشرين إلى أربعين يوما من كوبى ، وهذه البلاد كلها وثنية ، ولكل منها لغتها الخاصة. ويتجر تجار دارفور مع فرتيت التى تبعد عشرين يوما عن كوبى ناحية الجنوب ، وهى بلاد جبلية يجهل أهلها الزراعة جهلا تاما ولكنهم ذاقوا لذة الذرة والدخن ، وفى سبيل الحصول عليهما ـ إذا عز محصولهما ـ يبيعون حتى أطفالهم فيما يروى.
وجل العبيد المجلوبين إلى شندى دون الخامسة عشرة. ويقسمهم الجلابون حسب أعمارهم إلى فئات ثلاث : الخماسى (دون العاشرة أو الحادية عشرة) والسداسى (فوق الحادية عشرة ودون الرابعة أو الخامسة عشره) ، والبالغ (من الخامسة عشرة فصاعدا). وأغلى هؤلاء عندهم السداسى. وحين كنت بشندى كان العبد السداسى يساوى خمسة عشر ريالا أو ستة عشر ، هذا إذا كان جلده يحمل سمات الجدرى ، وإلا فثلثى هذا المبلغ لا أكثر. وكانت الجارية تساوى من عشرين إلى خمسة وعشرين ريالا إسبانيا. وكان ثمن العبد الحماسى اثنى عشر ريالا وثمن الجارية خمسة عشر. وقصارى ما يبلغه ثمن العبد البالغ ثمانية ريالات أو عشرة ، ونسبة العبيد البالغين ضئيله لأن القوم فى مصر وبلاد العرب لا يركنون إلى عبد لم يربه سيده منذ صغره. لذلك تراهم يكرهون أن يشتروا العبيد الكبار لخدمة