ذلك هو المصير الدى يلقاه هذا التعس المنكود ، وفى حالات كثيرة تتناقله أيدى السادة بأسرع من هذا. فقد رأيت فى شندى وإسنا عبيدا بيعوا واشتروا فى السوق مثنى وثلاث قبل أن ينقلوا منها نهائيا ، وقد يعرضهم سيدهم بعد ذلك للبيع مرة أخرى أو يستبدل بهم غيرهم إذا جربهم أياما فألفاهم على غير ما يشتهى. والواقع أنه لا فرق بين الرقيق وسائر السلع ، وعلى ذلك لا يفتأ الأرقاء ينتقلون من تاجر إلى تاجر. والقوم يسمون الرقيق رأسا ، كأنه من الأنعام ، فيقولون فلان يملك عشرة رءوس من الرقيق (١) ، كقولهم إنه يملك خمسين رأس غنم. وإذا طلبوا إلى المشترى أن يمضى بالعبد قالوا له «سوقه» ، وهو لفظ لا يستعملونه إلا للأنعام ، فيقولون مثلا «سوق الغنم قدامك».
وبين العبيد الذين شهدتهم معروضين للبيع بشندى أطفال كثيرون فى الرابعة أو الخامسة بغير والديهم ، ولكنك تجد بالسوق أيضا أطفالا فى هذه السن تصحبهم أمهاتهم. ويبدى الجلابة من الشفقة عليهم ما يمنعهم من بيع الأطفال منفصلين عن أمهاتهم إلا نادرا ، فإذا أتى أحدهم هذا الأمر استحق لوم الجميع على قسوته.
ويحرص الجلابة حين يشترون العبيد على التأكد من جنسهم ، فقد تعلموا بالتجربة أن أفراد الجنس الواحد لا تختلف طباعهم إلا قليلا. فعبيد نوبا المجلوبون من سنار أدمث العبيد طباعا بعد عبيد الحبش والجلا فيما يقال ، وهم أشدهم تعلقا بسادتهم وإخلاصا لهم. أما الحبش فالشماليون منهم ـ ويسمون القسطانيين ـ عرف عنهم الخبث والخيانة والغدر ، فى حين يؤثر عن الأمارة اللطف والوداعة ، وأغلى الزنوج الغربيين عند الجلابة هم أهل بندا ، ويليهم العبيد المجلوبون إلى دارفور من قطر إسلامى يدعى برقو يخطف أهله جيرانهم الوثنيين. ويقال إن العبيد المجلوبين من فرتيت متوحشون محبون للثأر والانتقام ، ومرتبتهم أحط مراتب العبيد.
وندر بين العبيد المجلوبين إلى شندى من لم يقض فى الرق أمدا طويلا ، وآية
__________________
(*) فى إقليم سنار لا يسمون العبد عبدا بل رقيقا.