ذلك أننى لم أر بينهم عاجزا عن التفاهم بالعربية ، وجل الأرقاء المجلوبين من دارفور وكردفان على شىء من العلم بلهجات هذين القطرين فضلا عن معرفتهم بلغتهم القومية وباللغة العربية.
وإذا اقتنى المسلم غلاما ختنه وأطلق عليه اسما عربيا. على أن العبيد قلما يحظون بشرف الأسماء الإسلامية الصحيحة كحسن ومحمد وسليم ومصطفى وما إليها ، فجلهم يحمل أسماء كخير الله وفضل الله وفضل الواسع وجبر الواحد وأم الخير إلخ .. وقد تكون أسماؤهم أغرب من هذا وأعجب ، كصباح الخير ، وجراب ، إلخ .. وندر أن يجلب من الغرب غلمان غير مختونين ، ولم أسمع قط بغلام زنجى آثر اتباع وثنية آبائه وأبى دخول الإسلام. ولكنى سمعت عن كثير من الأرقاء الأحباش ممن حولهم سادتهم الأحباش المسيحيون من الوثنية إلى المسيحية ثم باعوهم فيما بعد إلى الجلابة المسلمين ـ أقول إن كثيرا منهم ـ لا سيما الجوارى ـ رفضوا التحول عن دينهم ، ومن الجوارى من ثبتن على الرفض وهن فى حريم المسلمين ثباتا حمل سادتهن آخر الأمر على بيعهن خشبية أن يعقبوا من أمهات نصرانيات ، وهى معرة تلصق بالأب وذريته أبد الدهر. وأهل السودان لا يعلمون العبيد القراءة ولا الصلاة وإن سلكوهم فى زمرة المسلمين بالختان. وحتى فى مصر وشبه جزيرة العرب لا يعلم القوم من العبيد إلا آثرهم لديهم. ومع ذلك فإنك تجد فى هؤلاء العبيد تعصبا للإسلام لا تجده فى أشد العلماء تزمتا ، والمسيحيون والفرنجة أكثر تعرضا للاهانة والسب على يد العبيد منهم على يد أية طائفة أخرى من طوائف المسلمين. وسألت القوم فى شندى هل بين العبيد المجلوبين لها خصيان فقالوا إنه لم يرد لسوقها من الخصيان أحد أثناء مكثى بالمدينة ، وإن الإقليم الوحيد من أقاليم السودان الغربى الذى يخصى فيه العبيد لتصديرهم هو برقو (غربى دارفور). على أن هؤلاء قلة لا تذكر ، ويؤخذ بعضهم من دارفور إلى مصر ، ويبعث ملوك الزنوج بالباقين على سبيل الهدية للمساجد الكبرى بمكة والمدينة بطريق سواكن. وأكبر «مصنع» يزود تركية أوربا جميعها ومعظم تركية آسيا بهؤلاء الحراس القائمين على عفة النساء تجده فى قرية من أعمال أسيوط بصعيد مصر تدعى «زاوية الدير»