وأغلب أهلها من القبط. وكان يقوم بهذه العملية يوم ألممت بهذا البلد راهبان قبطيان قيل لى إنهما فاقا كل من سبقهما حذقا لصناعتهما ، وكان لهما بيت يستقبلان فيه الضحايا. وهذه الصناعة يمقتها القوم ويزدريها حتى سفلتهم ، ولكن الحكومة تبسط على الراهبين حمايتها لأنهما يؤديان لهن إتاوة سنوية. أما أصحاب العبيد فإنهم يجدون فى الأرباح الطائلة التى تدرها عليهم هذه العملية الوحشية ما يغريهم بالرضى عن عمل قد ينفر منه أكثرهم ويستهجنونه فى دخيلة نفوسهم. والعملية على غرابتها وشذوذها يندر أن تفضى إلى موت العبد. وأنا أعلم على التحقيق أنه لم يمت من بين ستين غلاما خصوا فى خريف عام ١٨١٣ سوى غلامين.
وقد أكد لى كل من سألته بأسيوط أن هذه النسبة أعلى من المعدل ، إذ قلّ أن تزيد نسبة الوفاة على اثنين فى المائة. ولم تتح لى فرصة مشاهدة هذه الجراحة لأنها تجرى لأكثر الغلمان حال وصولهم أسيوط فى قوافل دارفور وسنار ، ولكنى سمعت وصفها من فم شهود عيان كثيرين. ويتفاوت عمر الغلمان الذين يقع عليهم الاختيار بين ثمانى سنوات واثنتى عشرة لأن المتقدمين عن هذه السن قد تقضى الجراحة على حياتهم (١).
ولا يختار للخصى من الغلمان إلا أصلبهم عودا وأوسمهم خلقة ، ولكن الجراحة تترك على قسمائهم أثرا يبدو واضحا حين يكتمل نموهم. وحين تأملت الخصيان الذين لقيتهم بالحجاز ألفيت لهم وجوها تجردت من اللحم أوكادت ، وعيونا غارت ، ووجنات برزت عظامها ، وسحنات عجفاء تستطيع بنظرة واحدة أن تحكم بأن أصحابها مخصيون.
ويبلغ ثمن الغلام بعد أن يجوز هذه الجراحة بسلام ألف قرش فى أسيوط ، وقد يكون سيده ابتاعه بثلاثمائة قبل أسابيع ، وأدى للجراح القبطى أجرا يتفاوت بين خمسة وأربعين قرشا وستين. وفى هذا الربح الفاحش الذى يصيبه الجلاب من صفقته هذه ما يكفى للقضاء على كل عاطفة للرحمة قد ينبض بها قلبه. ويخصى فى كل
__________________
(*) أورد المؤلف فى ص ٣٣٠ فقرة باللاتينية تصف الجراحة وقد حذفناها ، ونحيل من أرادها على الأصل. (غربال)