ما يقرب من مائة وخمسين غلاما. وقبل عامين أمر محمد على بخصى مائتى غلام من دارفور أهداهم إلى الباب العالى. وقد ضعفت عادة اقتناء الخصيان فى مصر والشام ضعفا شديدا. ولست أحسبك واجدا فى مصر كلها من هؤلاء الخصيان أكثر من ثلاثمائة ، إذا استثنيت الموجودين منهم فى حريم الباشا وحريم أبنائه ، أما فى الشام فهم أقل من هذا. ذلك أن الناس فى هذين القطرين يتعرضون لأشد الأخطار إذا أعلنوا ثراءهم وجهروا بنعمتهم ، واقتناء الرجل منهم عددا من الجوارى يتطلب خصيا يحرسهن أمر يثير جشع الحكام ويغريهم بابتزاز ماله. ومن أندر الأشياء أن تجد خصيانا بيضا فى أملاك العثمانيين ، وقد لقيت فى شبه جزيرة العرب عددا من الخصيان الهنود فى وجوههم صفرة الموت ، وقيل لى إن العبيد فى الهند كثيرا ما يخصون. وجل الغلمان الذين يخصون بأسيوط يرسلون إلى القسطنطينية وآسيا الصغرى(١).
ويلقى العبيد من الجلابة معاملة هى أقرب إلى الرقة منها إلى العنف (٢). والعادة أن يعلّم العبد أن يدعو سيده «أبوى» وأن يعتبر نفسه ابنا له. وقل أن يجلد الجلاب عبيده أو يرهقهم بالعمل ، بل إنه ليعطيهم طعاما طيبا ويتلطف معهم فى الحديث ، لا رحمة بهم وبرا ولكن خشية من عروبهم إذا أساء معاملتهم. وهو
__________________
(١) كان القحطانيون ـ بحكم تحمسهم للوهابية التى اعتنقوها ـ يناوئون شريف مكة أشد المناوأة إبان حروبه مع سعود زعيم الوهابيين ، فأسر الشريف منهم مرة أربعين رجلا ، وقال لهم إنه قد قتل من قبيلتهم ما يكفى ، ثم أمر بخصيهم وردهم إلى أهلهم. ولما كانو رجالا لا أحداثا فقد فتكت الجراحة بهم جميعا إلا اثنين عادا لوطنهما وأصبحا بعد ذلك ألد أعداد الشريف غالب ، فقتل أحدهما بيده ابن عم لغالب فى إحدى المعارك ، أما الثانى فقد قتل وهو يحاول فى معركة ثانية أن يخترق صفوف الفرسان ليثأر من الشريف شخصيا. وقد لام الناس الشريف على قسوته أشد اللوم لأن فعلته هذه تجافى الرحمة التى طبع عليها العربى. وقد سقت هذا الحادث دليل على أن الناس لم ينسوا تماما هذه العادة القديمة ، أعنى معاملة الأسرى على هذه الصورة التى تراها ممثلة على كثير من المعابد فى صعيد مصر ولا سيما فى مدينة هانو. على أن هذا الحادث هو الوحيد الذى سمعت به من نوعه.
(٢) وردت فى ص ٣٣١ وهامشها وفى ص ٣٣٢ وهامشها تفصيلات عن ختان البنات آثرنا حذفها ونحيل من أرادها على الأصل. (غربال)