إلى جاره من حين إلى حين يد المعونة فى وسق جمله. على أننى ما كنت أطمع فى أكثر من هذا ، وما كنت فى حاجة ماسة لمعونة أحد ، ولا أذكر أنه قد نالنى من التجار السواكنية إساءة أو شبه إساءة لم يقاسمنى إياها التكارنة على قدم المساواة. وكنت يقظا حذرا مؤدبا مع الجميع متحاشيا مخالطة العبيد ، وكان القوم ينظرون إلىّ نظرتهم إلى هؤلاء العبيد تقريبا. ثم إننى قاومت أشد المقاومة كل محاولة يقصد بها ابتزاز شىء من بضاعتى أو زادى ، وأحسبنى بهذا المسلك قد عرفت بين القوم بأننى رجل نشيط دءوب صعب المراس ، أنانى شديد الحرص والحدب على مصلحته.
كانت صخور السهل الذى قطعنا طوال الصبح من الصوان ، وانبسطت إلى يميننا بعض الوديان والمنخفضات. وحططنا للراحة بعد عشر ساعات أو إحدى عشرة. ومن عادة القوم أن يبدأوا المسير مع الشروق ، ويقيلوا ساعات الظهيرة أو من العاشرة صباحا إلى الثالثة أو الرابعة عصرا ثم يستأنفوا السير حتى العشاء ، بل قد يتصل سيرهم إلى ما بعد منتصف الليل.
٢١ مايو ـ ما زال طريقنا يشق السهل. وقد هبت اليوم سموم هوجاء ، ولما كان التجار السواكنيون قد استكثروا من البضائع التى حملوها جمالهم فإنهم لم يحملوا من الماء إلا قليلا بالقياس إلى عدد العبيد والخيل. لذلك فرغت أكثر قربهم منه عند الظهر. وأقبل رئيس القافلة على جماعتنا وأخذ من كل منا ربع مائه أخذا يشبه أن يكون غصبا. ومررنا ساعات الظهيرة فوق سهل أسود محصب قرب أشجار من السنط. وبعد أن قطعنا فى هذه المرحلة الطويلة عشر ساعات أو إحدى عشرة متجهين شرق الشمال الشرقى ثمنا فى واد مشجر عميق الرمال. ونامت القافلة كلها ظمأى ، وكان أكثر الدرب الذى سلكنا فى الصحراء مطروقا يسوق عليه أهل عطبرة ما شيتهم إلى سوق شندى. ولقينا فى الطريق نفرا منهم ميممين شندى بحصر من سعف صنعت فى عطبرة.
٢٢ مايو ـ سرنا ثلاث ساعات بين السهول الرملية ، ثم أشرفنا على نهر عطبرة ودخلنا الأحراج التى تكتنف ضفافه ، وكانت الأشجار الباسقة تحدق بنا