خيّل إلىّ أن كل ضرب منها اختصت به بقعة من الشاطىء. على أن بخليج الفجع أشتاتا من هذا الصدف ، لفت نظرى منها السر مباق ، والصدف الأبيض الصغير الذى يسمونه فى القاهرة «الودع» ، وتستعمله نساء الفجر فى الإنباء بالبخت ، فيضربن بعضه ببعض وهن يذكرن اسم الشخص ويلحظن موقع الودع من الأرض حين يقع.
١٢ يوليو ـ هبت علينا ريح مواتية ، ولكن افتقارنا إلى الماء أكرهنا على دخول خليج عراقية قبل الظهر بكثير. وكان من عادتنا ألا نقلع فى الصباح إلا إذا ارتفعت الشمس فى الأفق ارتفاعا يتيح لنا رؤية المياه الضحلة والشعاب على بعد كاف ، فإن عين الربان هى دليله الوحيد فى أكثر هذه الخلجان المتشابكة. وجلب العرب هذا المساء على الإبل والحمير قدرا كبيرا من الماء استقوه من مستودع لماء المطر موجود فى الجبال على ثلاث ساعات أو أربع. والخليج كله من الأصداف المتكلسة ، وهو مرفأ أمين للسفن الكبيرة. وفى هذا الموضع اشتبكت فى شجار عنيف مع بعض التجار السواكنية الذين لم يكفوا عن الإساءة جهدهم إلى الزنوج المساكين ، والذين أبوا أن يستمعوا إلى شىء من توسلاتى من أجلهم. وعلى الرغم مما رأوا من الاحترام الذى عوملت به فى سواكن فقد أسقطونى من عيونهم لأنى لا أملك ثوبا جديدا ، ولأنهم ظنونى مسرفا فى عشرة هؤلاء السود الصعاليك على حد قولهم. وقد آزرنى فى جهودى للدفاع عن التكارنة رجل من الأروام المسيحيين قدم معنا من سواكن ، وكانت صحبته مبعث تسلية لى فى الرحلة ، واسم الرجل «اسطافا» وهو من أهالى الجبل الأسود ، والبحر صناعته. وكان قد زار إنجلترة قبل سنوات على مركب حربى بعثه محمد على باشا ليرجو الإذن له بالإبحار إلى البحر الأحمر بطريق رأس الرجاء الصالح ، وأقام الرجل فى بلاد الإنجليز عاما كاملا تعلم فيه شيئا من لغتهم ، ولما عاد عينه الباشا قبطانا لمركب فى البحر الأحمر. أما ذهابه إلى سواكن فلاسترداد بضع مئات من الريالات كان قد استدانها منه سواكنى ، وكان الآن عائدا إلى جدة. وقد خالنى الرجل ـ كما خالنى غيره من ركاب السفينة ـ شاميا ، وأخذ يحدثنى