الأشهب. وأنفقنا الصباح كله فى المساومة على شراء اللبن ، فبعد أن شربت النوق حلبها أصحابها ووضعوا اللبن أمامها فى أوعية كبيرة من السمار المجدول جدلا رقيقا كتلك التى يصنعها البرابرة جنوبى أسوان. وكنا قد جلبنا معنا قدرا من الذرة والتبغ ـ وهما خير ما يتعامل به الناس فى هذا البر ـ فكان الرجل منا يضع بجوار كل وعاء ما يراه ثمنا مناسبا من الذرة أو التبغ ، ولكن البدوى منهم كان يقول بكل برود «كاك» (١) (أى امش) ويمضى فى ذلك إلى أن يزيد الرجل التبع أو الذرة إلى القدر الذى أضمره البدوى كاملا غير منقوص ، فهو لا يقبل المساومة إطلاقا. وقد وجد بعض التجار السواكنية والملاحين نساء لهم بهن صلة قديمة ، وبالرغم من أن الريس كان قد أمر الركاب أن يعودوا جميعا إلى المركب بعد الغروب فقد ظل هؤلاء على البر ، وكنا نسمع غناءهم الصاخب طوال الليل. والنساء هنا سافرات يتمتعن بحرية واسعة. ولباس الرجال القميص المألوف من الدمور ، وسلاحهم الحراب والدرق ، ويحمل بعضهم السيوف. وأمتع الأشياء عندهم وأحبها شرب البوظة شأن النوبيين جميعا. وقد يتعرضون لغارات الأعداء لكثرة ما يقتنون من ماشية. ويفد أهل ينبع من حين لحين فى مراكب صغيرة مسلحين بالبنادق فينهبون ماشية المنطقة كلها محتجين بأنهم يثأرون من الأمرأر لأنهم قتلوا بعض بنى جلدتهم ممّن تحطمت بهم سفينة على هذا البر.
١٤ يوليو ـ بينما كنا واقفين خارج الخليج كانت تدخله سفينة قادمة من جدة ، والسفن القاصدة منها إلى سواكن تعبر البحر عادة من هذه النقطة ثم تلتزم الساحل جنوبا حتى تبلغ نهاية رحلتها ، وندر أن تعبر البحر رأسا إلى سواكن ما لم تكن الريح مواتية جدا. ولو أسعفتنا الريح لعبرنا من هذا الخليج ، ولكنها كانت ريحا جنوبية ، لذلك يممنا شطر جزيرة صغيرة على أميال
__________________
(*) تلك عادة بدو الشام أيضا حين يبيعون خيلهم ، فيعرض المشترى الثمن الذى يبغى دفعه ، ويقول البائع عند كل عرض «حط» دون أن يذكر المبلغ الذى يريد ، حتى يصل المشترى إلى الرقم الذى أضمره فى نفسه.