من تبادة ، وهناك دخلنا خليجا جميلا لنرتقب فيه هبوب ريح شمالية. واسم الجزيرة «جبل مكور» ، وسميت كذلك لأنها تكاد أن تكون كلها جبلا صخريا واطئا. ومكور مشتقة من كوّر يكوّر ، وهى فى لهجة بحارة اليمن العبور إلى البر المقابل (١). أو الإقلاع بغرض العبور. ويعبرون البحر من هذه الجزيرة لسببين ، فوقوعها فى عرض أعلى من عرض جدة يتيح للسفن الإفادة من الرياح الشمالية إفادة تامة ، والمعبر منها خلو من البرك والصخور الخفية التى تجعل الملاحة فى الليل محفوفة بالخطر. ويستغرق العبور عادة يومين بليلة.
وتفرقنا بين الأشجار القصيرة التى تزخر بها سواحل الجزيرة والتى ينمو بعضها حتى فى الماء ، وتشبه أوراقها أوراق الصبر (٢) وخشبها هش قصم. ومحيط الجزيرة ـ على قدر ما تبينت ـ يناهز أميالا ثمانية ، وعلى جانبها الشمالى والشرقى جزيرة أكبر منها كثيرا. وقد أردت التوغل فى داخل الجزيرة ، ولكنا أمرنا بأن نكون على أهبة الرحيل حال تنبيهنا إذا تحولت الريح شمالية. وصخور الجزيرة صخور ثانوية (رسوبية) يخالطها الطباشير ، وهى جرداء فيما عدا الساحل الذى ينمو عليه الشجر. وعلى برها الغربى مرسى آخر ولكنه أضيق من الجنوبى الذى رست عليه سفينتنا. وتسكن الجزيرة نحو عشرين أسرة بشارية ، وقوام غذائهم السمك ، ولا يملكون من الغنم والماعز إلا ماندر لأن الجبل شحيح الكلأ. وفى شمال الجزيرة بصنع آبار ، ولكن ماءها زعاق يعافه الجميع حتى أهل الجزيرة. وفى الشتاء يجدون ماء المطربين الصخور ، أما فى الصيف فيعبرون كل أسبوع إلى بر القارة على الطوف الذى يستخدمونه فى صيد السمك ـ ولا يبعد البر عنهم أكثر من ميل أو ميلين ـ فيستقون
__________________
(١) فيقولون «نحن كورنا البحر فى اليوم الفلانى» أو «نحن كورنا من الجبل إلى جدة». أما فى الأنحاء الشمالية من البحر الأحمر فيستعملون فى المعنى الثانى الفعل «دفع» فيقولون «نحن دفعنا من راس محمد إلى البر الغربى».
(٢) Aloe