وقيل لى فى الجزيرة إن على رحلة يوم آخر إلى الشمال ـ أى من عشرين ميلا إلى خمسة وعشرين ، وهو معدل ما تقطعه هذه المراكب فى اليوم ـ خليجا كبيرا يتوغل فى الأرض ، واسم الخليج «مرسى دنقلة» وعلى مدخله جزيرة. ويشتهر الخليج بصيد اللؤلؤ ، وقد ذهب إليه مرة قبطان مركبنا «الريس سيد مصطفى الجداوى» ، وعاد منه بكمية طيبة من اللؤلؤ المتوسط الجودة أخذها منه الشريف غالب بعد ذلك فى جدة. وذكر لى الرجل أن قاع البحر فى هذا الخليج حافل بأصداف اللؤلؤ ، وأن صيدها ميسور لقلة غور الماء. على أن القوم لا يرتادونه اليوم لصيد اللؤلؤ ، فهم من جهة يخشون غدر البشاريين الذين يسكنون هذا المرسى ، ومن جهة أخرى ـ وهو السبب الأهم ـ يخاف أصحاب السفن أن يشاع عنهم أنهم وجدوا كنوزا من اللآلئ فيسترعى ذلك انتباه حكومة جدة فورا. وقد أكدوا لى غير مرة أن ربابنة السفن فى سواكن والقصير لا خبرة لهم إطلاقا بالملاحة على الساحل الواقع إلى الشمال من جبل مكور فى طريقك إلى القصير ، وأن هذا الساحل لا يعرفه من ملاحى جدة إلا نفر قليل من قبيلة عرب الزبيدية ، وعلمهم به ضئيل. وليس بين القصير وسواكن تجارة ولا مواصلات مباشرة ، وندر من أهل البحر الأحمر من يجرؤ على الملاحة فى هذا الشطر من الساحل أو فى الشطر الشمالى الواقع بين القصير والسويس. وقد يرسو عرب الزبيدية دون غيرهم على مرفأ علبة ، وهو على رحلة أربعة أيام من مرسى دنقلة ، وعلى رحلة خمسة أيام من جبل مكور. ويقال إن اللؤلؤ يوجد على طول هذا الساحل حتى مصوع جنوبا ، ولكنه أوفر ما يكون فى مرسى دنقلة.
وقد اضطررنا أن نصلح ثقبا فى السفينة أحدثه ارتطامها أمس بصخر مرجانى. كذلك تم توزيع الشحنة والركاب توزيعا يترك للملاحين متسعا لقيادة السفينة فى رحلتها عبر البحر ، وهى رحلة لا يؤديها العرب إلا جزعين خائفين مستغيثين بالنبى والرسل والأولياء جميعا.
١٥ يوليو ـ هبت صبيحة اليوم ريح مواتية فخرجنا الى عرض البحر ، وجىء ببوصلة من مخزن أخشاب السفينة ، ولكن ذلك لم يكن إلا إجراء شكليا ،