وجوابى أن التجار لا يبلغون إلى المحس فى رحلاتهم إلا إذا سافروا فى قوافل الرقيق. زد على ذلك أنهم يضطرون للبقاء طويلا فى الأقاليم التى يجتازونها ، وهو عكس خطتى. كنت أستطيع أن أحمل معى للمحس تجارة تكفى لشراء عبد أو عبدين ، ولكن القوم كانوا فى هذه الحالة يقولون إن الصفقة لا تستحق الرحلة إلى المحس ، لأن ما تجلبه من ربح لا يعوض نفقات الرحلة من إسنا وإليها ، وكنت لا أنجو من توجس الناس وظنهم أننى قادم فى مهمة سرية. ولو حملت معى بضاعة تساوى ثمن ستة من العبيد مثلا لفرض الحكام علىّ الإتاوات واحتجزونى أطول مما أبغى.
ويزعم المحس أنهم من نسل قريش ـ قبيلة الرسول ـ وكان رجالها بدوا وزراعا كما هو معلوم. ويروون أن جماعة كبيرة من قريش استولت على الوادى حين غزا البدو القادمون من الشرق مصر والنوبة. وزعيمهم ملك المحس ، أو «ملك الدار» ، من عشيرة جامع ، وهو يجبى إيراد مملكته ، ويدفع كل سنة لأمراء النوبة عن كل قسم من أقسامها الستة خمسة جمال أو ستة ، ومثلها من البقر ، وعبدين ، ونحو أربعين شاة بالإضافة إلى المطالب الاستثنائية. وقد تشرفت برؤية ملك المحس ، فإذا هو أسود دميم ، تحيط به حاشية من ستة عبيد عراة يحملون الدروع والمزاريق. وفى الإقليم الممتد على النيل من هنا إلى سنار ـ ويستغرق قطعه نحو خمسة وثلاثين يوما ـ ما يزيد على عشرين ملكا ومملكة ، فكل رئيس مستقل يلقب ملكا. وسلطة هؤلاء الملوك الصغار مطلقة فى فرض الضرائب على رعاياهم ، ولكن الملك لا يجرؤ على قتل أحد من رعاياه ، ولو فعل لجلب على أسرته انتقام أسرة القتيل.
والتجارة مهنة كل رجل محترم فى المحس. وهم يشترون الرقيق من دنقلة وبربر وإقليم الشايقية ويرسلون قافلة للقاهرة مرتين فى العام. والمحس أقرب بقعة فى السودان يسافر منها الجلابة إلى القاهرة ، والمسافة بينهما قرابة ألف ميل ، والعبد فى المحس يساوى من خمسة وعشرين دولارا إسبانيا إلى ثلاثين ، أما الجارية فمن ثلاثين إلى أربعين. ويباع الرقيق فى القاهرة بربح يبلغ مائة وخمسين فى المائة ،