ووادى دنقلة الذى عنده ينتهى الكلام باللغة النوبية يمتد مسيرة خمسة أيام إلى الجنوب على جانبى جزيرة أرقو وغيرها من الجزائر الكثيرة التى تتكون فى النهر. وتبدأ جنوبى حانك سهول دنقلة الشاسعة. ولقد علمت عن ثقة أن الإقليم خلو من الصخور ، وأنه فى زمن الفيضان يغمره الماء فى مسطح يبلغ عرضه من اثنى عشر ميلا إلى خمسة عشر. ولا تزكو التجارة فى دنقلة كما تزكو فى الأقاليم الواقعة جنوبيها ، لأن التجار فيها يلقون عنتا كثيرا من الملوك ومن شيوخ القرى المستقلين تقريبا عن الملوك. وتقدر ثروة الفرد هنا كما فى النوبة بعدد ما يملك من السواقى ، ويجبى الخراج من هذه السواقى. ومنذ استولى عرب الشايقية على شطر من الخراج اعتادوا أن يجبوا على الأرض التى ترويها كل ساقية أربعة مهوريات (١) من الذرة ، وشاتين أو ثلاثا ، وثوبا من الكتان يساوى ريالين. ويجبى الملوك الوطنيون مثل هذا الخراج. وتشتهر دنقلة بفصيلة من الخيول يستورد أهل المحس العدد الوفير منها ، ومعظمها من الفحول لأن الوطنيين قلما يركبون الأفراس. والفصيلة عربية الأصل ، وهى من أنجب ما رأيت من فصائل الخيل ، فقد اجتمعت لها كل الخصال الرفيعة التى تتسم بها الخيول العربية ، وزادت عليها الحجم الكبير والعظم العريض. وكل الخيول التى رأيتها هنا بيض القوائم إلى الركب ، وقيل لى إن قليلا جدا من خيل هذا الإقليم يخلو من هذه العلامة المميزة. والفحول الأصيلة غالية يتراوح ثمن الواحد منها من خمسة عبيد إلى عشرة. ولا تزكو هذه الخيل فى مناخ العروض الشمالية ، بل ولا فى مناخ القاهرة ، وإن كان محمد على أهدى أخيرا للباب العالى جوادا منها دفع فيه ٧٥٠ دولارا إسبانيا. وعلف أكثرها هو التبن الخالص عشرة شهور في السنة ، وفى الربيع الشعير الأخضر. ومنذ أغار المماليك على دنقلة اتخذوا مطاياهم من هذه الخيول.
وليس فى دنقلة فيلة ، ولكن أفراس النهر كثيرة الانتشار فى النيل ، ويسمى الواحد منها بالعربية «البرنيق» أو «فرس البحر» ، وبالنوبية
__________________
(*) المهورى مكيال يعادل اثنى عشر مدا (وهو الكيل المستعمل بالقاهرة) أو ثمانية بوشلات تقريبا.