«الإرد» ، وهو نكبة كبرى على الإقليم بسبب شراهته ، وعجز الأهالى عن القضاء عليه. وكثيرا ما يسبح فى النيل شمالا حتى سكوت. وقد أخبرنى الفلاحون فى مرورى أن فى النهر بين المحس وسكوت ثلاثة من هذه الأفراش. وقد مر عدد منها فى العام الماضى ببطن الحجر وظهرت فى وادى حلفا والدر ، وهو حدث لم يعهد مثله حتى أكبر شيوخ الإقليم سنا. وقد قتل عربى فرسا منها برصاصة أصابته فوق عينه اليمنى. وأكل الفلاحون لحمه ، وبيع الجلد (١) والأسنان لتاجر أسيوطي. وواصل فرس آخر رحلته فى النوبة شمالا ، وقد شوهد في دراو وراء الشلال الأول ، على مسيرة يوم شمالى أسوان.
ومدينة دنقلة التى يسميها الأهالى «دنقلة العجوز» ، أو على الأصح «تنكل» ، تعادل الدر مساحة. وتسكن الإقليم قبيلة من البدو تسمى الكبابيش ، ويشن رجالها على دارفور غارات لا تنقطع ، ومنها يجلبون العبيد. كذلك استوطن دنقلة كثيرون من قبيلة العبابدة التى تسكن الجبل الشرقى ، وأصابوا فيها مالا كثيرا ونفوذا كبيرا ، فلما انبث المماليك فى أنحاء الإقليم كما سأفصّل ، ارتدوا إلى مصر مع رئيسهم حىّ.
ويمر المسافر جنوبى دنقلة بهذه القرى الواقعة على ضفة النيل : أفار قرب دنقلة ، ودفار وحيتانى وكنات وأمبقول التى تبعد عن دنقلة ثلاثة أيام وعن أرقو (٢) سبعة أيام أو ثمانية. وهنا ينتهى إقليم دنقلة الذى يفصله عن أملاك عرب الشايقية مفازة من جبال وصخور ، تقطع عرضا فى ساعتين ، وتحدق بالنهر مكونة سلسلة جديدة تنتهى عند حانك. وفى جنوب هذه المفازة ، أو على الأصح فى شرقيها ـ لأن النهر هنا يجرى من الشرق للغرب ـ يبدأ إقليم الشايقية. وأول بلد أو واد هو قوص الذى تقطنه قبيلة
__________________
(١) تصنع الكرابيج من جلد فرس النهر ، وهى من السلع التى تحملها قوافل سنار ودارفور.
(٢) تتناقض تقديرات الأهالى للمسافات تناقضا كبيرا والطريقة الوحيدة عندهم لحسابها هى حساب المراحل ، ولكن مراحل الإبل تتفاوت تفاوتا كبيرا. إذا لم تكن مسافرة فى قوافل.