الأمر الذى يدلنا على أهمية المدينة فى ذلك العهد. ويبدأ حيط العجّور ، وهو سور الآجر الذى ذكره دينون Denon ، على نحو ميل من الجبانة ، ويمتد على طول السهل الرملى بين الصخور الجرانيتية حتى قرب جزيرة فيلة.
ويزعم الأهالى أن الحائط بناه ملك يدعى عجورا. ولعله قصد به أن يكون حصنا يدفع غارات بدو الجبل الشرقى حين كانت تقوم بين فيلة وسيناء تجارة بريه نشيطة. ويقول الوطنيون إنه كان فى الأصل جسرا لقناة ، ويرى نوردن أن النيل كان يجرى قديما فى هذا الجانب ، ولكنه فرض يبدو لى مستحيلا لأن الأرض تعلو من فيلة صوب أسوان بشكل واضح. ويرى الناظر إلى الصخور الجرانيتية القائمة على طول الطريق نقوشا هيروغليقية تزداد كلما دنونا من الجزيرة. كذلك يرى بعض نقوش إغريقية مطموسة ، ولعلها سجلت فى يوم ما أسماء رحالة من الإغريق دفعهم حب الاستطلاع إلى زيارة هذه الأنحاء. وبين أسوان وفيلة طريق آخر أطول من هذا يحاذى شاطىء النهر مارا بالجندل.
وبعد أن ركبنا أربعة أميال من أسوان ، بلغنا سهلا مكشوفا خاليا من الصخور ، يجرى النهر فى جانبه الغربى. وهنا لاحت لى أطلال جزيرة فيلة (أنس الوجود) ، ولما لم أجد قاربا يحملنى إلى الجزيرة ـ وكنت أعلم أننى سأمر بها فى رجوعى لأسوان ـ لم أطل وقفتى إلا ريثما ألقى نظرة على الصخور الجرانيتية القائمة على ضفاف النهر ، والتى يسترعى النظر من بينها المقعد المشهور الذى رسمه كثير من السائحين. والقرية الصغيرة الواقعة مقابل فيلة تدعى البربا وهى الحد الجنوبى لمصر. والقرى العديدة القائمة منها إلى أسوان شمالا هى جزء من إقليم البريا الذى أعفى من شتى أنواع الخراج بمقتضى فرمانات قديمة صادرة من الباب العالى. وتبدأ أملاك الأمراء النوبيين جنوبى البريا ، وتدخل فى أملاكهم فيلة. والأهالى فى الأنحاء المحيطة بالشلال سلالة مستقلة ، يعتزون بالمناعة التى أكسبتهم إياها طبيعة بلادهم ، ويسكن كثير منهم الجزائر ، وجل اعتمادهم فى قوتهم وقوت أسرهم على صيد السمك من النهر.