واتفق فى أثناء رحلتى أن كان النوبيون من أهل أسوان فى حرب مع جيرانهم أهل الجنوب. وقد نشبت الحرب لأن الجنوبيين استولوا على مركب محمل بالبلح وهم يعلمون أنه ملك لتاجر أسوانى. وقبل وصولى بأيام قلائل دارت رحى معركة تجاه جزيرة فيلة ، قتلت فيها امرأة حبلى برمية من حجر ، ولا غرابة فنساء النوبيين يشتركن فى القتال أينما نشب ويهاجم بعضهن بعضا فى ضراوة ووحشية وهن مسلحات بالمقاليع. أما الجنوبيون من ذوى القتيلة فيطالبون أعداءهم بدية ، لا عن المرأة القتيل فحسب ، بل عن الجنين الذى كان فى بطنها وقت موتها. وقد أنكر خصومهم عليهم هذا الطلب. ولما كانوا أقل نفرا ، ولما لم يكن فى أسوان حامية يستعينون بها ، فقد رأى الرجال أن من الحكمة الانسحاب من الميدان. فأخلوا القرى الملاصقة لفيلة ، ولم يتركوا بها سوى نسائهم وبناتهم ، ونزحوا إلى أسوان هم وبنوهم. ولما عدت من المحس لم يكن الصلح قد تم بين الفريقين ، وكان النوبيون لا يزالون فى أسوان ، وكانت تصلهم كل يوم قافلة من النساء تحمل الزاد لأزواجهن.
عبرنا السهل الذى ذكرت آنفا مرة أخرى تجاه الجزيرة ، ولاحظت كثرة الشقف فى هذا السهل. ثم ارتقينا الجبل جنوب الجزيرة لعدم وجود طريق بحذاء النهر صالح لسير الإبل ، وسرنا زهاء الساعتين فى فجاج الجبل العميقة. وفى صخور الجبل أنواع لا تحصى من الجرانيت أجملها الوردى اللون. وتتكون هذه السلسلة من صخور من السيانيت والفلسپار الأحمر والجرانيت. ثم هبطنا ضفة النهر ثانية على مقربة من كفر صغير من الكفور التى يتألف منها إقليم شبحة الواح. ومجرى النهر هنا خال من الصخور والجزائر ، ولكن جسوره على الجانبين تضيق فلا يكاد عرض الأرض الصالحة للزراعة يبلغ المائة ياردة. وبعد مسيرة نصف ساعة بلغنا قرية ساق الجمل من أعمال وادى دبود وأنخنا بعيرينا تجاه بيت شيخها حيث قضينا ليلتنا. وفى بيت الشيخ ذقت لأول مرة هذا الصحن الذى يعيش عليه أهل الإقليم والذى أصبح طعامى الدائم طوال الأسابيع الخمسة التى استغرقتها رحلتى ، وهو فطائر رقيقة من الذرة ، غير مختمرة ، ومخبوزة خبزا خفيفا ، تغمس فى لبن حلو