العلماء يوزع الصبيان الوافدين من البلاد المجاورة التماسا للعلم على معارفه فيقيمون ويأكلون فى بيوتهم ما شاءوا.
وينغمس الجند منهم ـ لا العلماء ـ فى شرب عرقى البلح ، ويروى أن نساءهم على جانب من سوء الخلق ، ويسافر التجار منهم إلى دارفور وسنار وسواكن ، وحين يصيب القحط جزيرة العرب يصدرون القمح والذرة إلى سوق جدة بطريق سواكن. وتسافر قافلة من الحجاج كل عام إلى هذين البلدين ، وتبعد سواكن مسيرة اثنى عشر يوما من حدود إقليم الشايقية.
والآن وقد فرغت من هذا الموجز لدنقلة وما يحف بها من أقاليم أود أن أضيف إليه نبذة عن علاقاتها السياسية أثناء غزوة المماليك وعن نتائج هذه الغزوة على قدر ما تكشفت عند زيارتى للمحس. يروى العرب أن أسرتى الزبير والفونج كانتا تحكمان دنقلة من أجيال سحيقة ، فكانت الأولى تحكم الولايات الشمالية والثانية الولايات الجنوبية. ولكن نفوذ هاتين الأسرتين تقلص بعد ذلك لأن السلطة الفعلية استقرت فى يد عرب الشايقية. فقد اعتاد هؤلاء العرب أن يشنوا غارات لا تنقطع على دنقلة ، ويدمروا أحياء بأسرها. وأخيرا ، وبعد أن قتل زعماء الفونج ، اضطر شيوخ دنقلة تحت ضغط رعاياهم ، أن يصطلحوا مع الغزاة ، وتخلوا لهم عن نصف الخرج ثمنا لكفهم عن غاراتهم. وعاش الفريقان بعد ذلك فى صفاء. ولكن زعماء الشايقية كانوا يتنقلون بين دنقلة والخندق وأرقوا ليجمعوا نصيبهم من الخراج ، لذلك تيسر لهم بسط نفوذهم على كل أنحاء الإقليم ، وسرعان ما بدأت قوتهم ترجح. فلما وصل البكوات المماليك أرقو بعد هروبهم من مصر كما ذكرت آنفا ، استقبلهم كبير الشايقية محمود العدلانابى بما هو معهود فى القوم من حسن الضيافة. ولما أعلنوا أن فى نيتهم الإقامة فى سنار أجزل لهم الهدايا من الخيل والإبل والعبيد والزاد. ولكن هؤلاء اللاجئين الغادرين لم يمض عليهم بأرقو شهر من الزمان حتى انقلبوا على ولى نعمتهم متعللين بأتفه العلل ، فقتلوه هو ونفرا من حاشيته. ثم انتشروا فى الأرض ينهبون أموال الشايقية ويستولون على الخراج. وفى هذه الظروف انحاز ملك من