ثمانى ساعات مررنا بشلال وادى حلفا ، وهو الشلال الثانى المشهور ، والذى تراه على مصورات النوبة تحت اسم The Cataract of Jan Adel ، (١) وقد كونه جزء من النهر فقط عرضه عشرون ياردة على الأكثر. وينحدر الماء فوقه فى سرعة وهدير ورغاء لا تجدها فى أى بقعة أخرى من بقاع بطن الحجر حتى ولا فى شلال أسوان. على أنه غير جدير باسم الشلال (٢) ، فليس فيه سوى ثلاثة مساقط أو صخور منحدرة يسقط منها الماء بسرعة كبيرة. وينتشر العرب الذين يسكنون الجزائر القريبة منه شباكهم على المساقط فيصيبون سمكا كثيرا. والتل العالى القائم على البر الغربى قرب الشلال هو نهاية الصخور الأولية فى بطن الحجر. ومن ثم إلى الشمال لا يجد المرء غير الحجر الرملى حتى يبلغ الشلال الأول.
كانت الشمس توشك أن تغرب بعد أن رأيت الشلال ، وكان ما معى من زاد قد نفد فيما خلا الذرة ، فأردت أن أبلغ مكانا آهلا بالسكان قبل هبوط الليل. لذلك سرت حثيثا ، ومررنا فى طريقنا فوق التلال الرملية بالبقعة المواجهة لوادى حلفا ، وبعد عشر ساعات وصلنا ضفاف النيل أمام سقوى ، ورأيت هناك آثار معبد متهدم جدا. والبناء كله مدفون تحت تلال من الرمل والأنقاض ، ولا تبدو منه غير قطع من أطراف الأعمدة. وأعمدة الأركان الأربعة مربعة الشكل ، وكذلك عمودان من الأعمدة الجانبية. أما سائر الأعمدة فمستدير ، وقطرها يقرب من قدمين
__________________
(١) أطلق مؤرخو العرب وجغرافيوهم على شلالات النيل اسم «الجنادل» أو الشلالات وقد أخذ الأوربيون اللفظ الأول وكونوا منه اسم علم هوJan Adel قصروه فى مصوراتهم على شلال وادى حلفا دون غيره. (٢) روى لى دليلى وغيره من الروايات ما شوقنى لرؤية هذا الشلال الثانى الذى قيل لى إن ماءه «ينحدر كأنه ساقط من السماء!» ولما رأيته على حقيقته ووبخت دليلى على غلوه فى وصفه ، قال لى «وهل رأيت أروع منه من القاهرة إلى المحس؟» على أن المرء يجب أن ينشكك فى روايات هؤلاء القوم تشككه فى روايات عرب الشام ، بل أكثر. فقد أخبرنى كثير من أهل النوبة أن المسافة من الدر إلى المحس يطويها المسافر فى ستة عشر نهارا وليلا ، ولكنها لم تستغرق من غير عشرة. كذلك كانوا يحاولون مرارا تضليلى كلما وجهت إليهم أسئلة تبدو لهم خارجة عن موضوع أحاديثهم المألوفة ، والتى لا تدور إلا حول أثمان البلح والذرة ، والمكوس المفروضة على السواقى ، والشكوى من جور الحكام وعسفهم.