المعبد كان مكرسا لأوزيريس. وتكسو النقوش الهيرغليفية جدار الصخرة الذى سوى من خلف التماثيل ، وعليه صف من أشخاص جلوس يزيدون على العشرين تحتوا كالباقين من الصخرة ولكن معالمهم طمست فلم أستطع وأنا فى موضعى تحتهم أن أفهم الحكمة فى وجودهم. وارتفاع الواحد منهم زهاء ست أقدام. وفى وسعى أن أحكم ـ استنادا إلى ملامح التمثال الذى ظل رأسه ظاهرا فوق الرمال ـ بأن هذه التماثيل صنعت فى أرقى عصور النحت المصرى ، ولكن النقوش الهيرغليفية التى على سطح الصخرة خشنة الصناعة ، ولعلها ترجع إلى العهد الذى حفرت فيه نقوش معبد الدر. وعلى بضع خطوات إلى الجنوب من التماثيل الضخمة الأربعة فجوة منقورة فى الصخر يرقى إليها الزائر بدرجات صاعدة من شاطىء النهر ، وتملأ جدرانها النقوش الهيرغليفية ورسوم إيزيس وأوزيريس الصقرى الرأس. وأهل بلانة وجيرانهم من العرب يعتصمون بمعبد أبو سمبل من الغارات التى تشنها قبيلة من بدو المغرب على هذه النواحى بانتظام كل عام ، وهؤلاء ينتمون إلى القبائل المقيمة بين الواحة الكبرى وأسيوط. وحين يبدءون غاراتهم يقصدون أولا أرقو ، ومنها يخرجون فى رحلتهم ينهبون ويسلبون القرى الواقعة على ضفة النيل الغربية. ثم يمضون إلى المحس وسكوت وبطن الحجر ووادى حلفا والقرى المواجهة للدر ، وأخيرا إلى الدكة ، ومن ثم يرتقون الجبل ويعبرون الصحراء ميمين صوب أسيوط. وتتألف الجماعة منهم عادة من نحو مائة وخمسين فارسا ، ومثلهم على ظهور الإبل. وليس فى النوبة من يجرؤ على الوقوف فى وجههم ، لا بل إن الحكام يزورونهم ويقدمون إليهم الهدايا حين يصلون تجاه الدر. وغارات هذه القبيلة من الأسباب الهامة التى جعلت الناس يهجرون معظم الضفة الغربية للنيل ، وأهالى بلانه يعتصمون بمعبد أبو سمبل هم وماشيتهم كلما زحف صوبها هؤلاء المغاربة ، وقد حاول المغاربة فى العام الماضى أن يقتحموا هذا الحصن عنوة ، ولكنهم ارتدوا عنه خائبين بعد أن مات منهم كثيرون.
وسرنا من أبو سمبل على شاطىء رملى قاحل متجهين شرق الشمال الشرقى. ومضت ثلاث ساعات ونصف على بداية رحلتنا فى الصباح ، فمررنا بأطلال كنائس إغريقية صغيرة.