ثم وصلنا أمام فرقندى (الواقعة على البر الشرقى) بعد ست ساعات ونصف ، فأنخنا بعيرينا عند كوخ من أكواخ العرب ، وجدنا به شابا وفتاة جميلة هى ابنة عمه ، وكان أهلهما يسكنون البر الشرقى ، وقد أوفدوهما ليلاحظا زرعا لهم. فسألت الفتاة ألا تخشى البقاء وحدها مع ابن عمها فأجابت «ليش أخاف ، ما هو ابن عمى». وأبناء العم عند البدو يعدون فى مقام الأخوة والأخوات تقريبا.
٢٣ مارس ـ يستمر الشاطىء رمليا مرتفعا. وقد خلفنا النهر إلى يميننا واختصرنا المسافة بشق طريق قصير فى السهل يتجه شرق الشمال الشرقى. وبعد ساعتين ونصف مررنا بقرية توشكه الواقعة على ضفتى النيل ، وكانت تبعد عنا مسيرة ساعة إلى اليمين ، وبعد خمس ساعات وصلنا مصمص على الضفة الغربية أمام وادى البستان ، وبعد ست وادى الشباك على الضفة الشرقية. ومن ثم سرنا للشمال الشرقى منحرفين شرقا فوق سهل فسيح محصور بين الجبال الغربية والنهر. ورأينا إلى يميننا قرية قتّه بعد تسع ساعات. ويقوم على ميلين من النهر تل منعزل من الحجر الرملى نحتت فيه حجرة دفن صغيرة طولها سبع خطوات ، وعرضها ثلاث ، وارتفاعها خمس أقدام ونصف ، وفى وسطها حفرة المقبرة ، وألحقت بها حجرة صغيرة فى أسفلها تمثال نصفى قائم بين مقعدين لعلهما أعدا لوضع الجثث المحنطة عليهما. وعلى جوانب الحجرة الرئيسية رسوم احتفظت بألوانها كما احتفظت بها مقابر الملوك بطيبة وإن لم تضارعها فنا ، وأهم هذه الرسوم يمثل تقديم القرابين لأوزيريس وأبيس وعبادتهما.
ورأيت على ناحية صورة تمثل قردا بوجه كلب Cynocephalus يحنط جثة مدت على منضدة أمامه ، وعلى الناحية الأخرى رأيت القرد نفسه ممسكا بميزان فى يده وقد وقف أمامه أبو الهول. وعلى جدران الحجرة الصغيرة رسوم تمثل موضوعات زراعية كالحرث وبذر الحب والعزق الخ .. وليس بالمكان مقابر غير هذه ، ومما يثير العجب ألا يجد المرء فى جبال النوبة الكثير من أشباه هذه المقبرة مع كثرة ما فى جبال مصر منها بجوار جميع المدن القديمة. وعدنا إلى النهر عند قرية تدعى عافية بعد إحدى عشرة ساعة ، ثم سرنا نصف ساعة أخرى فبلغنا توماس ، وفيها حططنا عند بيت من بيوت حسن كاشف.