وتوماس قرية كبيرة ، وجل سكانها من سلالة عرب الغربية الذين احتلوا النوبة قديما.
٢٤ مارس ـ بعد مسيرة ساعة ونصف من توماس وصلنا تجاه الدر ، وفيها «معدية» لنقل الناس من بر إلى بر ، وانتظرت المركب برهبة ، وكان على البر الآخر ، ثم رأيت حسن كاشف نفسه يركبه ليعبر النهر ، فلما بلغ الشاطىء لقينى بفتور شديد ، وقال لى «ما كان لك بالمحس شأن ، فلم لم تعد بعد بلوغك سكوت؟» ثم سألنى عما قدمت من هدايا لأخويه ، فأجبته إننى لم أقدم لهما شيئا لأننى لا أملك شيئا. قال «إنى لأعجب إذن كيف أخليا سبيلك وأنت لا تحمل لهما خطابات توصية». قلت إنهما أكرما مثواى ، لا بل ذبحا لى شاة. ولم يكن هذا صحيحا ، وإنما قصدت به التعريض بحسن كاشف لأنى لم أذق اللحم فى أثناء مكثى ببيته ، ثم دخلت المركب ، وجره عبيد الحاكم على البر إلى توماس حيث أراد كاشف التفتيش على بعض الحقول ، وهنا شهدت مثلا قاسيا من أمثلة الطغيان والاستبداد المألوفة فى بلاد الشرق ، ذلك أن حسن كاشف كان يطوف بحقل كبير فى نحو ثلاثين من أتباعه وعبيده : فأخبر صاحب الحقل أنه أخطأ بزرع حقله شعيرا ، لأن البطيخ كان يزكو أكثر منه. ثم أخذ من جيبه شيئا من بذور البطيخ وأعطاها للرجل وهو يقول «خير لك أن تقلع الشعير وتزرع هذه البذور عوضا عنه». ولكن الشعير كان قد قارب النضج ، فاعتذر الرجل بطبيعة الحال عن عدم تنفيذ ما أمر به كاشف. وهنا قال كاشف «إذن فسأزرع أنا الحقل بطيخا نيابة عنك» ، ثم أمر رجاله فورا بتقليع الشعير وتمهيد الحقل لزرعه بطيخا. وحمّل المركب بعد ذلك بالشعير المقلوع. وهكذا نكب الرجل وأفراد أسرته ليوفروا لجياد الحاكم وجماله عليقا من سيقان الشعير يكفيها ثلاثة أيام.
وعدت إلى الدر مع حسن كاشف ، ولكنى لم أقم فيها غير ساعات. وصرفت دليلى القراريشى الأمين محمد سعد ، بعد أن نفحته بملاية صوفية طالما تلهف عليها. وكان رجلا طييا ، لو لا أن فيه عيبا واحدا ، ولكنه فى الدليل بعد عيبا كبيرا. ذلك أننى ما كنت أستطيع حمله على إخبارى بطول المسافات التى